close
عنوان الصورة

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

التجربة اليابانية في الادارة العامة


مقدمة :-
تعتبر اليابان من ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع في العالم، و تدل المؤشرات الاقتصادية أنها ثاني أقوى دولة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، و تفوقت الكثير من المنتجات اليابانية على نظيرتها الأمريكية داخل الأسواق الأمريكية نفسها نظراً لمميزاتها الإيجابية، و تجاوزت بكثير الدول الصناعية العريقة (الأوروبية) رغم ما تعرضت له من دمار أثناء الحرب العالمية الثانية، و رغم الضغوطات و القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية خاصة و مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي و الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، و رغم فقدانها للثروات الطبيعية و صعوبة السطح إلا أنها استطاعت تجاوز هذه العراقيل في مدة زمنية قصيرة حتى أصبح يطلق عليها اسم المعجزة اليابانية.
و السؤال الذي يطرح نفسه، كيف استطاعت اليابان تجاوز هذه العراقيل و الوصول إلى هذه المكانة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لكى نجيب على هذا السؤال لابد لنا انشير الى النظرية اليابانية فى الادارة والتى كان لها الاسهام الكبير فى تطور وازدهار دول جنوب شرق اسيا فى جميع النواحى اهمها الطفرة الاقتصادية بفضل هذا الاسلوب المبدع .
*
الإدارة اليابانية و نظرية Z
قبل الدخول بتفاصيل و أبعاد و عناصر الإدارة اليابانية لا بد من التطرق إلى الخصائص العامة للفرد و المجتمع الياباني بشكل عام، حيث تعتبر الركيزة الأساسية لنجاح النموذج الياباني في الإدارة، حيث أن أوتشي أطلق في هذه الكتاب من تلك الخصائص و السمات التي يتصف بها المجتمع الياباني في الإدارة و مدى انعكاسها على الجانب الوظيفي و العملي داخل المؤسسات و الشركات اليابانية و التي أدرجها تحت عنوان حاجتنا إلى التعلم.
- 1
الثقة:-
فالدرس الأول في نظرية Z هو الثقة و ربطها بالإنتاجية بين مختلف القطاعات في المجتمع من مؤسسات و نقابات و غيرها، و كذلك اتباع النظام الإداري الموسع الذي يؤكد المحافظة على جو الثقة بين العاملين و ينعكس على مشاركة العاملين في الإدارة و الذي يعتبره أوتشي أساس الارتقاء بمستوى الإنتاجية.
- 2
الرقة و التهذيب و حدة الذهن:-
أو ما يمكن تسميته بالحذق و المهارة، و جميع هذه الصفات مشتركة بين أفراد المجتمع و التي تنعكس على الكفاءة و الفاعلية في العمل.
- 3
الألفة و المودة:-
و هي رابطة مشتركة في الحياة اليابانية لما تنطوي عليه من اهتمام و دعم للآخرين و من مشاعر الانضباط و عدم الأنانية التي تمكن المرء من العيش الآمن من خلال إقامة العلاقات الاجتماعية الوثيقة و التي تنعكس على الأفراد بالاستقرار و على المنظمات بالإبداع و الابتكار.
من السمات السابقة تبرز مشاعر الولاء و الانتماء و الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه الآخرين و تجاه العمل و المؤسسات بشكل عام.
و من الجدير بالإشارة أن المجتمع الياباني متماسك و مترابط و يسعى إلى تحقيق المصالح الجماعية من قبل الأفراد لقناعتهم بأن النفع سيعود على الجميع.
التعريف بنظرية Z
باختصار يمكن تعريف هذه النظرية على أنها: نموذج إداري ياباني يجمع مفاهيم و أنماط مختلفة وضعها العالم أوتشي من خلال مقارنته للمنظمات اليابانية و الأمريكية بكافة الأبعاد و يفسر هذا النموذج الأسباب الكامنة وراء نجاح المنظمات اليابانية. و سنعرف أهم أبعاد هذا النموذج من خلال تحليل خصائص و مميزات المنظمات اليابانية و ذلك لربط النظرية بالجوانب العملية.
*
خصائص المنظمات اليابانية:
اتسمت المنظمات اليابانية بعدة خصائص انفردت بها، و كان من الأسباب الرئيسية لنجاحها و تفوقها ما يمكن إجماله بما يلي:
- 1
الوظيفة مدى الحياة:-
أهم خاصية تتميز بها المنظمة اليابانية هي توظيف العاملين لديها مدى الحياة، و هذه أكثر من مجرد سياسة بل تعتبر القاعدة التي تقوم عليها العديد من أوجه الحياة اليابانية و لذلك نجد أن هذه السمة تنعكس على الأداء الوظيفي للعاملين و تزيد من إنتاجيتهم و إبداعهم لما يتمتع به هذا النظام من استقرار وظيفي و نفسي ينعكس على الفرد بآثار إيجابية مختلفة، كما و ينتج عن هذه الفلسفة فوائد عديدة منها:
-1
حصول الأفراد على مكافأة نهاية المدة بعد سن التقاعد و التي تعتبر وسيلة لضمان حياة كريمة.
- 2
نظام المكافأة المستخدم كل ستة شهور أو سنة.
- 2
التقييم و الترقية:-
هناك جزء كبير من خصائص التنظيم الإداري الياباني تتعلق بطرق التقييم و الترقية، حيث يتميز نظام الترقية بالبطء مما يؤدي إلى تحقيق الانفتاح و دعم ميول الأفراد للتعاون و رفع مستوى الأداء، حيث أن النظام ينطوي على أن الأداء السليم لا بد أن تظهر نتيجته التي يستفيد منها الجميع في نهاية المطاف.
- 3
مسارات الحياة الوظيفية غير المتخصصة:-
و هي تفسير لعملية البطء في الترقية حيث أن العامل الياباني ينتقل من مسار إلى آخر في المنظمة مما يعني زيادة مستوى اطلاعه و مهاراته و معرفته الشاملة لكافة أبعاد العمل و طبيعة العلاقات المختلفة بين الوظائف و كذلك قدرة الموظفين للقيام بأعمال بعضهم تؤدي إلى عدم توقف العمل في حال غياب أي فرد.
- 4
مقومات العمل في المؤسسة اليابانية: إن تميز الإدارة اليابانية و تميز الشركات اليابانية من الناحية الدولية بلا شك يقف وراءه الكثير من المقومات الداخلية و الخارجية وهي:
- 1
الرقابة الضمنية: حيث أن وسائل الرقابة الإدارية في الشركات اليابانية تتصف بقدر كبير من الخبرة و المفاهيم الضمنية و الأمور الداخلية لدرجة تبدو معها و كأنها ليست موجودة بالنسبة لأي شخص غريب و لكن العمليات الإدارية في حقيقة الأمر عملية متكاملة و بالغة الانتظام و تحتاج إلى قدرات خاصة و بنفس الوقت تتسم بالمرونة. و نستنتج من ذلك أن استخدام الرقابة الضمنية يؤثر كثيراً على العامل النفسي للعاملين بالإنتاج و الثقة و بالتالي تحقيق الكفاءة و الفعالية في الأداء و هو بطبيعة الحال ما يميز الإدارة اليابانية.
- 2
الثقافة التنظيمية: و يمكن ملاحظة هذه السمة من خلال مختلف الممارسات و السلوكيات للعاملين سواء كانوا مدراء أو موظفين و كذلك تمييزاً لأهداف التنظيم من ناحية و تحقيقاً لرغبات و توجهات الإدارة من ناحية أخرى. و من المعروف أن الثقافة التنظيمية ذات أثر كبير على معتقدات و أفكار العاملين, الأمر الذي ينعكس على مدى التزام و ولاء العاملين لعملهم.
- 3
طريقة اتخاذ القرار: من أهم الخصائص التي تميز الإدارة اليابانية طريقة المشاركة في اتخاذ القرارات بحيث يتم إشراك كل من سيتأثر بهذا القرار, و هذا بدوره يعني تحمل المسؤولية من قبل من يشارك في اتخاذ القرار, لذا فإن صنع القرار يمثل الوصول إلى القرار الأفضل و بنفس الوقت تحمل المسؤولية و تحقيق الولاء لهذا القرار بقبوله و تنفيذه بشكل جيد, و هذا ينعكس على مدى نجاح القرار و موضوعيته.
- 4
القيم المشتركة: و يمكن أن تكون هذه الميزة من أصعب الجوانب فهماً في الإدارة اليابانية و خصوصاً من قبل الغرب و هي الاهتمام القوي بالقيم الجماعية الموحدة و الشعور الجماعي بالمسؤولية, و يمكن النظر إلى هذه السمة من منظورين مختلفين تماماً:
- 1
المنظور الأول:-
التزام بالقيم الجماعية المشتركة من المفارقات التي لا تتفق مع الواقع الصناعي و لكنها تؤدي في الوقت ذاته إلى تحقيق النجاح الاقتصادي بالرغم من تقييد الإبداع و عدم وجود حوافز التمييز لدى الفرد لوحده و طمس الشخصية و فقدانه الحرية بسبب التمسك بالقيم الجماعية.
- 2
المنظور الثاني:-
هو أن العمل الجماعي الياباني يتسم بالكفاءة الاقتصادية لأنه يحمل الناس على العمل المشترك و تشجيع الأفراد لبعضهم في سبيل بذل أفضل الجهود و الوصول إلى أفضل النتائج لا سيما و أن الحياة الصناعية تتطلب وجود العلاقات المتشابكة و المتكاملة بين العاملين ببعض و يبقى المعنى الأسمى للعمل الجماعي الياباني هو ما يتعلق بتحمل المسؤولية الجماعية عن الأداء الجماعي.
- 5
النظرة الشمولية للاهتمام بالأفراد العاملين:
و مفادها أن المنظمات اليابانية تعنى بالموظفين منذ دخولهم إلى المنظمة و من مرحلة التدريب و إجراء ما يسمى بعملية socialization إلى أن ينتهي الموظف من عمله و يصل إلى مرحلة التقاعد و ذلك بإجراء عمليات تنمية و تطوير القوى العاملة و العمل على تحقيق الاستقرار الاجتماعي و الوظيفي لهم و خصوصاً أن هذا المبدأ ينبثق عن مؤثرات اجتماعية و حضارية و وظيفية.
و بعد استعراض أهم خصائص النموذج الياباني فإنه من المناسب أن نحاول الاجابة على السؤال هل يمكن تطبيق هذا النظام فى منظمات الاعمال بالدول الاخرى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
*
للاجابة لابدلنا من التقديم اليسير عن المنظمة z اولا :-
إن كل شركة من نوع Z لها خصائص تميزها عن غيرها, فالخصائص السابقة و غيرها تجعل هذه المنظمات ذات سياسة و فلسفة إدارية مختلفة و علاوة على ذلك فإن النوع "Z" من الشركات تمتلك قدراً كبيراً من الممتلكات المتعلقة بالمعلومات و الأنظمة المحاسبية و التخطيط الرسمي و الإدارة بالأهداف , لذلك نجد هذه المنظمات تمتلك حالة من التوازن بين الأمور الواضحة و الضمنية في الوقت الذي يعتمد فيه اتخاذ القرارات على كامل الحقائق فإنه يراعى الاهتمام بمدى مناسبة القرار لأوضاع الشركة و مدى انسجامه مع سياستها.
و بالتالي فإن مميزات هذه الشركات متعلقة بأسلوب الشركة و نظرتها للأهداف و إلى الربحية التي تعتبرها مكافأة لبقاء الشركة و سعيها المتواصل لتقديم الأفضل, فالهدف و الغاية لكل منظمة التميز المستمر دائماً. و مما تجدر الإشارة إليه بأن الخلفية النظرية للنوع "Z" تمثل نوعاً من التناسق و التوافق في ثقافتها الداخلية فيمكن تشبيهها بالعشائر أو العائلات المتآلفة التي تمارس نشاطاً اقتصادياً. و تمثل الثقافة و الفوارق الثقافية صعوبة و حاجز رئيسي في تطبيق النظام "Z" في المنظمات الأخرى, كما أن التنظيم البيروقراطي يقيد هذه الثقافة و يحدد حرية الأفراد و تعاملهم مع الآخرين و هذا ينعكس على جو العمل و الأداء الوظيفي للعاملين. الاجابة :- ومن خلال ماذكر سابق يمكن تطبيق هذا الاسلوب او التحول من النظرية A إلى النظرية Z : فى منظمات الاعمال بالدول الاخرى و يمكن توضيح ذلك من خلال مجموعة من الخطوات المتناسقة المتسلسلة بشكل منطقي و إداري و هذه الخطوات توضح بالتحديد مراحل إرشادية لعملية التحول حسب الخطوات التالية :-
الخطوة الأولى:
تفهم النوع "Z" من المنظمات و دور المدير فيها و ذلك من خلال قيام المدراء بعض القراءات للتعرف على الأفكار الكامنة وراء النظرية "Z" و المبادئ التي تنطوي عليها ثم مناقشتها مع العاملين بانفتاح و ثقة لمعرفة آرائهم حولها.
الخطوة الثانية:
إعداد بيان بأهداف الشركة و فلسفتها يعطي العاملين فكرة عن القيم التي يفترض أن يعملوا بها و يتقيدوا بها و كذلك توضيح طرق التصرف و السلوك في المنظمة و خارجها و من خلال هذه العملية يمكن تحقيق الفوائد التالية:
- 1
ضرورة تفهم فكرة و ثقافة المنظمة من خلال تحليل القرارات و مدى نجاحها.
- 2
كل منظمة تتطور لديها بعض العيوب و التناقضات و بالتالي يتم كشفها من خلال التحليل.
- 3
معرفة الترابط بين استراتيجيات العمل و فلسفة الإدارة.
الخطوة الثالثة:
يتم فيها معرفة الإجراءات و الممارسات غير المناسبة و التي تتناقض مع غيرها و التي تحتاج إلى إضافات معينة و في هذه الحالة تبرز أهمية مشاركة الإدارة العليا في التنظيم الإداري للمؤسسة.
الخطوة الرابعة:
علاقات الاتصال الرسمية في المؤسسة تحدد علاقات الرؤساء بالمرؤوسين و مدى التعاون بينهم و يرى أوتشي أن الهيكل المناسب للمؤسسة التي تتصف بالكفاءة و التكامل هو النموذج الذي ليس له خارطة تنظيمية و يشبه ذلك بالفريق الرياضي الذي يعمل على التعاون الجماعي لتحقيق الهدف.
الخطوة الخامسة:
تطوير مهارات التعامل مع الآخرين و هي من الأمور الأساسية لتطبيق الطريقة "ز" في العمل و ذلك لتحقيق التعامل و العمل بروح الفريق و من هذه المهارات ما يتعلق بأنماط التفاعل في عملية اتخاذ القرارات و حل المشاكل و الاستماع الجيد و كذلك كيفية توفير عناصر القيادة للجماعة.
الخطوة السادسة:
تفحص المدير لنفسه و النظام, و قبل قيام الفئة العليا من المديرين بتطبيق النظرية "ز" على المستويات الأدنى فإن عليهم أولاً تفحص أنفسهم لتحديد مدى تفهمهم للفلسفة التي تقوم عليها هذه النظرية.
الخطوة السابعة:
تحقيق الاستقرار الوظيفي و ذلك من خلال توفير بيئة عمل مناسبة تتصف بالعدالة و المشاركة و التغلب على احتمال استقالة بعض العاملين و بالتالي توفير كافة أسباب و متطلبات الاستقرار و الولاء للتنظيم و يجب مراعاة مشاركة النقابات العمالية قبل إجراء أي تغيير في المنظمة .
و بعد استعراض أهم خصائص النموذج الياباني فإنه من المناسب أن نقوم بعمل مقارنة بسيطة و عامة بين المنظمات اليابانية و الأمريكية لمعرفة أهم نقاط الاختلاف بينهما
كما هو موضح أدناه :-

(1)
وظيفة التخطيط :-

الإدارة اليابانية الأمريكية - طويل المدى - قصير المدى
-
اتخاذ القرارات بالإجماع - القرار فردي غالباً
-
مشاركة واسعة للأفراد في اتخاذ القرار - مشاركة قليلة
-
اتخاذ القرار من القاعدة إلى القمة - من القمة إلى القاعدة
-
بطء في اتخاذ القرارات وسرعة في التنفيذ - سرعة في اتخاذ القرارات وبطء في التنفيذ

(2)
التنظيم:-

- المسؤولية والمحاسبة جماعية - المسؤولية والمحاسبة فردية
-
مسؤولية اتخاذ القرار غير محددة - مسؤولية اتخاذ القرار محددة
-
أقرب إلى التنظيم غير الرسمي - التنظيم رسمي بيروقراطي في الغالب
-
فلسفة واسعة ومشتركة - لا توجد فلسفة وثقافة مشتركة

(3)
التوظيف:-

-
من خريجي المدارس والجامعات - من خريجي وموظفي الشركات الأخرى
-
الانتقال بين الشركات ضعيف - الانتقال بين الشركات نشط
-
الولاء للشركة - الولاء للمهنة
-
تقييم الأداء بصورة غير منتظمة - بصورة منتظمة
-
تقييم الأداء لفترات طويلة - لفترة قصيرة
-
أسس متعدية للترقية - الترقية على أساس الأداء
-
إيمان بالتدريب والتطوير واعتبارها استثمار طويل الأجل - لا حماس بالتدريب والتطوير لأن الفرد يمكن أن يترك الشركة
-
التوظيف مدى الحياة في معظم الشركات - الأمن الوظيفي هو الهاجس الرئيسي

(4)
القيادة:-

-
القائد وسيط اجتماعي واحد لأفراد المجموعة - القائد متخذ القرار ورئيس المجموعة
-
استخدام الأسلوب الأبوي - أسلوب التوجيه الحازم
-
القيم المشتركة تساعد على التعاون - القيم المختلفة تقف في وجه التعاون
-
تفادي المواجهة عند الصراع - أسلوب المواجهة عند الصراع
-
الاتصال من القمة إلى القاعدة - الاتصال من القاعدة إلى القمة

(5)
الرقابة:-

-
الرقابة بواسطة الزملاء - الرقابة بواسطة الرئيس
-
التركيز على أداء المجموعة - التركيز على أداء الفرد
-
حفظ ماء الوجه - اللوم بشدة
-
استخدام مكثف لطريقة المجموعة في تحديد وحل مشاكل الإنتاج والجودة - استخدام محدد لطريقة المجموعة في تحديد وحل مشاكل الإنتاج والجودة


*
عمار احمد بلال – ماجستير الادارة – الدفعة الرابعة – جامعة البحر الاحمر

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

التطور التاريخي للقضاء الإداري في الجزائر :


التطور التاريخي للقضاء الإداري في الجزائر

مُساهمة 




قبل دراسة مجلس الدولة الجزائري المنبثق عن النظام القضائي المزدوج الذي كرسه دستور 18/11/1996 (3), يتعين علينا أن نمر و لو بصفة وجيزة للهيئات القضائية المختصة بالفصل في المنازعات الإدارية في الفترة السابقة عن إنشاء مجلس الدولة وسنخصص مطلبين للمراحل السابقة عن 1996 ثم مطلبا مستقلا حول نشأة مجلس الدولة.

المطلب الأول : القضاء الإداري أثناء الفترة الإستعمارية (قبل 1962):

ويمكننا أن نجزىء هذه الفترة إلى ثلاث مراحل . كل مرحلة نخص لها فرعا .
الفرع الأول : تطبيق قضاء المظالم في الجزائر إلى غاية 1830.
الفرع الثاني : الفترة الممتدة من 1830 إلى 1848 .
الفرع الثالث : المرحلة الممتدة من 1848 إلى غاية 1962.

الفرع الاول : تطبيق قضاء المظالم في الجزائر الى غاية 1830 :

عرفت الجزائر نظام قضاء المظالم(4) و طبقته في العهد الإسلامي إلى غاية الإحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 , وكان حكام الجزائر ينظرون في المظالم ويسلمون بأن هذه الوظيفة هي من صلب وظيفة الإمارة بعد ولاية وقيادة الجيش (5) .
----------------
(1) : ابراهيم المنجي . المرجع السابق . ص 15 .
(2): أ.عمور سلامي. محاضرات في المنازعات الإدارية. جامعة الجزائر. كلية الحقوق بن عكنون السنة الجامعية (2002 - 2003) ص 1.
(3) : راجع :- . أ . د ماجد راغب الحلو .المرجع السابق. ص 69 ,70 .
- أ . د محمد الصغير بعلي .المرجع السابق . ص 5 وما بعدها.
(4) : د . عمار عوايدي . المرجع السابق . ص 158
(5) : د . سيمان محمد الطماوي . القضاء الإداري . الكتاب الأول . قضاء الإلغاء . دار الفكر العربي.سنة 1986 .ص 13.

إبتدائيا, و يطعن في أحكامها باالإستئناف أو النقض أمام مجلس الإدارةالذي أنشىء عقب الإحتلال مباشرة.
لكن بعض الحكام كانوا ينظرون في المظالم بحسب أهوائهم لا سيما في آخر العهد التركي في الجزائر , فكان المواطنون يحجمون على تقديم تظلماتهم للسلطات التركية ضد الموظفين الذين اعتدوا على حقوقهم , إلا أن ولاية الأمير عبد القادر , تركت صفحة مشرقة في هذا المجال . حيث تولى بنفسه قضاء المظالم وكانت أحكامه نهائية لا تقبل أي طعن فيها , و بذلك تكون الجزائر قد عرفت في هذه الفترة الرقابة القضائية المتمثلة في قضاء المظالم على أعمال الإدارة , حيث كان ديوان المظالم يختص بعملية النظر و الفصل في المنازعات الإدارية في الجزائر ألى غاية الاحتلال الفرنسي لها عام 1830.

الفرع الثاني : الفترة الممتدة من 1830 إلى غاية 1848:

منذ دخولها إلى الجزائر , حاولت فرنسا طمس معالم الشخصية الجزائرية في جميع جوانبها سواء من حيث اللغة أو الدين أو... . فراحت تسن تدريجيا تشريعات و تنظيمات سعيا منها إلى نقل تشريعاتها ونظمها الإدارية و القضائية إلى الجزائر بهدف القضاء على المنظومة القانونية المستمدة من الشريعة الإسلامية (4) , وذلك برغم تعهدها باحترام هذه المنظومة .
ابتداءا من 1830 , طبق نظام وحدة القضاء و القانون في الجزائر , حيث كانت المحاكم العادية هي التي تختص بعملية النظر و الفصل في كل الدعاوى و المنازعات الإدارية و العادية
كانت لمجلس الإدارة إختصاصات إدارية في المالية العامة و الإدارة و الشؤون الأمنية و العسكرية باعتباره هيئة تنسيقية للإدارة العامة الفرنسية في الجزائر.
وكان مجلس الدولة في باريس يرفض قبول الطعون بالإستئناف و النقض ضد قرارات مجلس الإدارة بحجة غياب النص القانوني الذي يعطيه هذا الإختصاص وقد برز ذلك جليا في قضية كابي cappé))(1).
وقد أكد اختصاص مجلس الإدارة بالمنازعات الإدارية ابتداءا و انتهاءا بصدور أمر في 10/08/1834 الذي حوله إلى جهة اختصاص بالمنازعات الإدارية , و يفصل كذلك في تنازع الإختصاص بين جهتي القضاء العادي و الإداري , وكان مجلس الإدارة يغلب امتيازات ومصالح الإدارة و السلطات العسكرية على حساب أحكام القانون و العدالة , إلى حد نزع ملكية الأراضي من الجزائريين و منحها للفرنسيين لتعزيز وجودهم بالجزائر (2).
----------------
(1): راجع تفاصيل القضية: د. عمار عوايدي. المرجع السابق. ص 162.
(2): أ. د. عمار بوضياف.القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدة و الإزدواجية. المرجع السابق . ص23

بموجب الأمر الصادر في : 15/04/1845 تحول مجلس الإدارة إلى مجلس المنازعات , و الذي يطعن في قراراته أمام مجلس الدولة الفرنسي , و حاول مجلس المنازعات الحد من تعسف الإدارة إلا أن الضغوط الممارسة عليه منعت ذلك .
في عام 1847 تم إنشاء ثلاث مجالس مديريات (1) على غرار مجالس الأقاليم الفرنسية :
-مجلس المديرية بوهران.
-مجلس المديرية بقسنطينة.
-مجلس المديرية بالجزائر.
وقد إتصف عملها بالتحيز للإدارة, وكانت أهم المنازعات التي تدخل في اختصاصها مناعات الضرائب.
طوال هذه المرحلة طبق في الجزائر نظام وحدة القضاء و القانون حيث عرفت بمرحلة الإدارة القاضية, ولم تعرف وجود جهة قضائية للمنازعات الإدارية.

الفرع الثالث : المرحلة الممتدة من 1848 إلى غاية الإستقلال 1962:

-مرحلة الإزدواجية القضائية و القانونية -:
بعد قيام ثورة 1848 م بفرنسا, أصبحت الجزائر خاضعة لنظام ازدواجية القضاء و القانون الفرنسيان حيث تم إنشاء مجالس العمالات في وهران و الجزائر العاصمة و قسنطينة لتمارس نفس صلاحيات مجالس المديريات في فرنسا وهي تتألف من نفس عدد الأعضاء (2) كما يطعن في قراراتها أمام مجلس الدولة الفرنسي وقد شهد القضاء الإداري إصلاحات لاسيما سنة 1926 لكنها لم تطل.
بموجب قوانين و مراسيم 30/11/1953 تحولت مجالس إلى العمالات إلى محاكم إدارية وفي عام 1956 م تمت إعادة التنظيم الإقليمي للجزائر و ظلت الجزائر ترزح تحت الأحكام الإستثنائية و قواعد الحرب , وكان اختصاص القضاء المشترك في المواد الإدارية متماثلا في كل من الجزائر و فرنسا ماعدا استثنائين : الأول متعلق بنظام الأراضي الذي نظمه مرسوم 26/03/1956 و الثاني متعلق بنزع الملكية الذي نص عليه مرسوم 25/04/1956 وعموما, فقبل الإستقلال لم يكن للجزائر نظام قضائي أصيل , بل كان يسود فيها نظام غريب عمل على حماية الإدارة الإستعمارية و خدمة مصالحها , فكان دور جهات القضاء الإداري الفرنسي في الجزائر محدودا , بل منعدما في حماية القانون و العدالة و حماية حقوق المواطن و حرياته (3) , لكن هذا لم يمنع الفقه من إعتبار هذه المرحلة , مرحلة الإزدواجية القضائية و القانونية في الجزائر.
----------------
(1) : تم إحداث هذه المجالس عمليا بموجب القرار المؤرخ في 08/12/1948 وكانت مبدئيا خاضعة لذات القواعد المطبقة في فرنسا. لتفصيل أكثر .(2) : راجع أحمد محيو. المرجع السابق ص 13 .
(2): كانت المجالس في البداية تتألف من خمسة أعضاء بالنسبة لمحافظة الجزائر وأربعة لكل من مجلسي وهران و قسنطينة و بموجب مرسوم 25/03/1865 تم تخفيضها جميعا إلى ثلاثة أعضاء .. أحمد محيو .المرجع السابق ص13.
(3) : د . عمار عوايدي . المرجع السابق . ص166.

توالت عدة مراسيم كانت تهدف إلى تعديل دائرة الإختصاص المحلي للمحاكم الإدارية , نذكر منها :
- المرسوم المؤرخ في : 28/06/1956 .القاضي بإعادة التنظيم الإقليمي في الجزائر .
-القانون المتعلق بإجراءات المحاكمات الإدارية (القانون الصادر في 31/08/1959), الذي طبق في الجزائر بموجب المرسوم الصادر في 31/08/1959 .
ظلت هذه القوانين و المراسيم سارية المفعول إن لم نقل كلها فالأغلب منها حتى أثناء الفترة الانتقالية و التي ستتعرض لها في مطلب مستقل .

المطلب الثاني : المرحلة من 1962 إلى غاية 1996 :

نظرا لطول هذه الفترة , و توالي الإصلاحات فيها , والتي أثرت على هيكلة النظام القضائي من جهة و على الطبيعة القانونية للنظام القضائي من جهة أخرى , إرتأينا تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين أساسيتين نفرد لكل منهما فرعا.

الفرع الأول : المرحلة من 1962 إلى غاية 1965:

من الإستقلال إلى غاية الإصلاح القضائي لعام 1965 :
لقد قضى القانون رقم 62- 153 المؤرخ في :31/12/1962 باستمرارتطبيق التشريع الفرنسي الا ما يتنافى منها مع السيادة الوطنية و باستعادة الجزائر استقلالها ، استردت سلطتها في ممارسة العدالة والتي أصبحت احكامها بموجب الأمر المؤرخ في: 10/07/1962 المتعلق بالصيغة التنفيذية تصدر باسم الشعب الجزائري مما نجم عنه أن تخلي الهيئات القضائية الفرنسية و بصورة أساسية مجلس الدولة و محكمة النقض عن المنازعات التي يختص بها النظام القانوني الداخلي الجزائري وتقرر بموجب بروتوكول 28/08/1962 بين الجهاز التنفيذي المؤقت (1) و الحكومة الفرنسية مايلي:
-شطب القضايا القائمة – أمام الهيئات القضائية الفرنسية – بتاريخ 28/08/1962 إذا كانت تخص الدولة الجزائرية أو هيئاتها أو مؤسساتها العامة.
-تطبيق ذات الإجراءات على القضايا المماثلة القائمة أمام الهيئات القضائية الجزائرية و كنتيجة تهمنا لم يعد مجلس الدولة الفرنسي جهة إستئناف للقرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية الجزائرية , كما أنه أي المجلس لم يعد بإمكانه نظر دعاوى الإلغاء ضد القرارات التنظيمية الصادرة عن السلطات الجزائرية مما دعى إلى ضرورة إحداث هيئة قضائية إدارية عليا في الجزائر,
----------------
(1): أحمد محيو . المرجع السابق . ص 27 .

وفي ظل الفترة الإنتقالية من 62إلى 65 تأرجح النظام القضائي الجزائري بين نظام الوحدة و الإزدواجية القضائية و القانونية(1) .
أبقت الجزائر المستقلة على نظام المحاكم الإدارية الثلاثة بوهران و الجزائر العاصمة و قسنطينة بكل تفاصيل النظام القانوني الموروث عن فرنسا و تحت إشراف خبراء فرنسيين متخصصين في نظام القضاء الإداري , إلى جانب المحكمة الإدارية بالأغواط التي لم تباشر مهامها , و أصبحت المحكمة العليا التي تم انشاؤها بموجب قانون 63/218 المؤرخ في 18/06/1963 محكمة نقض للمنازعات العادية والادارية .
المنازعات العادية و الإدارية قد كانت هناك مبررات عديدة للإحتفاظ بالمحاكم الإدارية, من بينها خصوصية المنازعات الإدارية و خطورة إحالتها على القاضي العادي , إضافة إلى أن إنشاء مجلس للدولة كان يتطلب قضاة على درجة كبيرة من التخصص (2) . كما أن الدولة الجزائرية أرادت أن تظهر للعالم أنها في غنى عن النظام القانوني الفرنسي , إضافة إلى أن إحداث مجلس للدولة يتطلب إحداث محكمة للتنازع لتفصل في تنازع الإختصاص بين القضاء العادي و القضاء الإداري , وهذا كان أمرا مستحيلا في ظل تلك الظروف غداة الإستقلال نظرا لما خلفته هجرة القضاة الفرنسيين من خلل في عمل المحاكم الإدارية .
ويرى الأستاذ أحمد محيو أن المشرع الجزائري اعتمد في هذه الفترة مبدأ ازدواجية الأنظمة القضائية المطلق في القاعدة الذي كان يتعايش مع وحدة الهيئات القضائية المطبق في القمة.

الفرع الثاني: من مرحلة الإصلاح القضائي 1965 إلى غاية 1996:

تميزت هذه المرحلة بعدة إصلاحات و تعديلات نقسمها إلى عدة نقاط.
1- بصدور الأمر المؤرخ في 16/11/1965 : تكفل المشرع بإعادة تنظيم الهيئات القضائية الدنيا و إلغاء المحاكم الإدارية الثلاث(3) ونقل إختصاصاتها إلى المجالس القضائية و بذلك يكون هذا الأمر قد وضع حدا لإزدواجية الهيئات القضائية على المستوى الأدنى للتنظيم القضائي , وفي ذات يوم صدور المرسوم 65-278 صدر مرسوم قضى بأن المجالس القضائية يمكن أن تتشعب إلى عدة غرف من بينها الغرقة الإدارية , وعلى الهيئات القضائية الجديدة أن تطبق في الفصل في القضايا الإدارية القواعد النافذة امام المحاكم الإدارية القديمة . و تلاحقت النصوص القانونية الإجرائية التي تؤكد و تدعم تطبيق نظام وحدة القانون و المتمثل بقانون الإجراءات المدنية الصادر بموجب الأمر رقم 66 -154 المعدل و المتمم بموجب قوانين لاحقة .
و بذلك تكون الجزائر قد تبنت نظام وحدة القضاء و القانون و لكن بنوع من المرونة (4) حيث تم انشاء الغرف الإدارية على مستوى المجالس القضائية و الغرفة الإدارية على مستوى المحكمة العليا.
----------------
(1): د . عمار عوايدي . المرجع السابق . ص 168.
(2) : أ. د عمار بوضياف . القضاء الإداري في الجزائر بين نظام الوحدة و الإزدواجية . المرجع السابق ص 26 .
(3) : المادة 05 من الأمر رقم 65 -278 –المؤرخ في 16/11/1965 .
(4) : د . عمار عوابدي . المرجع السابق ص 17 .

أما فيما يخص طبيغة النظام القضائي الجزائري في هذه الفترة , فقد ظهرت عدة إتجاهات :
-إتجاه يؤيد فكرة القضاء الموحد ومن بينهم السيد محمد بجاوي الذي كان وراء الإصلاح القضائي لسنة 1965 م بصفته وزير العدل (1) , و كذلك الدكتور عوابدي عمار , و اتجاه يعتبره شبيها بالنظام الأنجلوسكسوني, فضلا عمن يرون فيه معالم الإزدواجية , إلا أن الكثير من الدراسات المتخصصة في العالم , ترى وجود نظام توفيقي بين القضاء الموحد و نظام القضاء المزدوج (2) وهو: " نظام القضاء الموحد مع التفريق بين المنازعات " و هذا الرأي يؤيده الدكتور عمار بوضياف هو نظام يعهد للغرف الإدارية الموجودة داخل الهرم القضائي العادي , الفصل في المنازعات الإدارية دون أن يتضمن استقلال المحاكم الإدارية , وهو نظام فيه تبسيط لنظام التقاضي , كما يفيد في تفادي مشكلة تنازع الأختصاص بين القضاء الإداري و القضاء العادي.
و بتقييم إصلاح 1965 نلاحظ مايلي:
- عدم انسجام آليات و هياكل المنازعات العادية و المنازعات الإدارية حيث أن هذه الأخيرة تفصل فيها3 مناطق فقط:الجزائر, وهران، قسنطينة مقارنة بالمنازعات العادية التي تعرف توسعا كبيرا.
- قلة عدد القضاة المتخصصين الأكفاء, وذوي الخبرة في مجال القضاء الإداري جعل المشرع يقصر جهات القضاء الإداري على 3 مناطق.
- قلة الإعتمادات المالية في فترة كانت تعاني الدولة فيها تحديدا في مواردها المالية لم يكن يسمح لها بتوسيع الغرف الإدارية.
- تأثر المشرع الجزائري بالتجربة الفرنسية من حيث اقتصاره في بداية الأمر على عدد من المحاكم الإدارية.
ويعاب على إصلاح 1965 أنه لم يجسد مبدأ تقريب العدالة من المتقاضين في المنازعات الإدارية .
2-تعديل قانون الإجراءات المدنية سنة 1971 :
صدر الأمر 71 – 80 المؤرخ في 29/ 12/1971 ليعدل قانون الإجراءات المدنية , لكنه لم يأت بجديد على مستوى هياكل المنازعات الإدارية , لكن بمقتضى هذا الأمر , تم تمديد إختصاص الغرف الإدارية الثلاث إلى عدة ولايات مجاورة لكل منها , وفي مجال الإجراءات فإن القاضي الإداري كان مكلفا بالأمر بإجراءات التبليغ , وإجراء التحقيق وتحضير الحكم , خلافا للدعاوى المدنية التي يقدم الأطراف فيها البينة .
3-صدر ميثاق 76 و دستور 76 , ولم يعنيا بإعادة هيكلة النظام القضائي و تنظيمه و ترتيبه وانصب اهتمامهما بالتكوين الأيديولوجي للقاضي, ليكون آداة لحماية الثورة الإشتراكية و تحقيق أهدافها , واعتبر د 76 القضاء وظيفة (3) وبالتالي لم يكن من المتصور في ظل هذه الفترة أن يستقل القضاء الإداري بهياكله و تنظيماته (4) .
----------------
(1): خلوفي رشيد . المرجع السابق. ص 37.
(2): أ . عمار بوضياف. القضاء الإداري في الجزائربين نظام الوحدةوالإزدواجية. المرجع السابق. ص 34.
(3): أحمد محيو . المرجع السابق ص 73 .
(4): أ . د عمار بوضياف . القضاء الإداري الجزائري بين نظام الوحدة و الإزدواجية . المرجع السابق ص 41.

4- بموجب المرسوم رقم 86- 107 المؤرخ في 29/04/1986 ارتفع عدد الغرف الإدارية إلى 20 غرفة بعد أن تدخل المشرع ليعدل المادة 07 من قانون الإجرءات المدنية مرة أخرى (1) , وهذا بعد أن رفع القانون رقم 84 -13 المؤرخ في 23/06/1984 و المتعلق بالتقسيم القضائي عدد المجالس إلى31 مجلسا , وبهذا يكون المشرع الجزائري قد وحد التنظيم القضائي في الجزائر في شكل هرم على رأسه المحكمة العليا كمحكمة قانون عدى اختصاص الغرفة الإدارية منها فتعد محكمة موضوع(2).
إذاكانت الزيادة في الغرف الإدارية تجسد فكرة تقريب القضاء الإداري من المتقاضين, إلا أنه قد ثار تساؤل بشأن المعيار الذي إعتمده المشرع ليقصر إختصاص غرفة ما على منازعات ولاية أو ولايتين في حين حرم بعض المجالس القضائية من تشكيل غرفة إدارية, فهل المعيار كان الكثافة السكانية, أم بعد المسافة ؟
يرى الأستاذ الدكتور عمار بوضياف أن كلى المعيارين مردود عليهما, ويتساءل لماذا ضيق المشرع من نطاق إختصاص الغرف الإدارية على مستوى مجالس كل من الجزائر, وهران, و قسنطينة, و قصرها على إقليم هذه الولايات فقط.
في ظل هذه الإصلاحات ثار أيضا تباين في الآراء بين أساتذة القانون حول طبيعة النظام القضائي الجزائري فمنهم وصفه بنظام وحدة القضاء المرن و المنطقي و هذا رأي الأستاذ عمار عوابدي , ومنهم من رأى أنه نظام مختلط و آراء أخرى .
5-الإصلاح القضائي لسنة 1990:أولت نصوص دستور 1989 أهمية إستثنائية إلى حقوق و حريات المواطن و طرق حمايتها وأوكل إلى الجهاز القضائي بهذه المهمة وقد اختصت الغرف الإدارية سواء على مستوى المحكمة العليا اوالمجالس القضائية، بجانب من هذه الحماية القضائية التي توفرها للمواطن في مواجهة حالات تجاوز الإدارة لسلطاتها وقد جاء التعديل الجديد لقانون الإجراءات المدنية بموجب القانون رقم 90-23 لسنة 1990 ليعزز دور الغرف الإدارية فتضمن هدا القانون المؤرخ في 18/08/1990 تغييرا على مستوى الإختصاص القضائي للغرف الإدارية بالمجالس القضائية(3) كما تضمن تغييرا على مستوى الإجراءات.بقصد تقريب العدالة من المواطنين. بصدور هذا القانون, أثيرت إشكالية حول طبيعة هذه الغرف الإدارية .
----------------
(1) : أ . د عمار بوضياف . المرجع نفسه. ص 41 .
(4) : تم تعديل المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية بموجب القانون رقم 86-01 المؤرخ في 28/ 01/1986 .
.(2) : عمور سلامي . المرجع السابق .ص 03 .
(3): بالتحديد مس التعديل م 07 من قانون الاجراءات المدنية . لتفصيل أكثر راجع مقال الدكتور رياض عيسى . ملتقى قضاة الغرف الإدارية . الديوان الوطني للأشغال التربوية . 1992.

فاختلفت آراء الفقهاء من بينهم الدكتور حسن بسيوني الذي يرى أن التنظيم القضائي الجزائري يأخذ بمبدأ إزدواجية القضاء, إلا أن كل هذه الآراء تتفق على وجود نظام القضاء الإداري ممثلا في الغرف الإدارية مع إزدواجية المنازعات و قد صنف إصلاح 1990 المنازعات الإدارية إلى ثلاثة أصناف -منازعات تخضع للغرف الإدارية المحلية على مستوى جميع المجالس القضائية (1).-منازعات تخضع للغرف الإدارية الجهوية الموجودة في كل من الجزائر, وهران قسنطينة , ورقلة و بشار(2).غرفة إدارية بالمحكمة العليا تمارس مهمة نقض واستئناف في ذات الوقت(3), إضافة إلى كونها تقضي ابتدائيا ونهائيا في بعض المنازعات ( قاضي أول و آخر درجة ) (4).لقد سعى المشرع من خلال إصلاح 1990 إلى لامركزية دعوى الإلغاء و تبسيط إجراءات التقاضي. في 08/01/1991 صدر قانون رقم 91/02 يتضمن الأحكام الخاصة بتنفيذ أحكام القضاء المقضي بها لصالح الافراد و المتضمنة إدانات مالية للدولة وبعض الهيئات حيث خصص حساب ( تخصيص خاص رقم 038 -302 ) ليدعم تنفيذ الأحكام الإدارية المتضمنة إدانات مالية للدولة لتمكين الأفراد من تنفيذ القرارات الإدارية التي لصالحهم .كملاحظة فقد كانت الغرفة الإدارية تعطي آراء إستشارية في المسائل القانونية عند لطلب (5).
كما يلاحظ على هذه المرحلة أن أحكام القضاء الجزائري في مجال مسؤولية الدولة عن الأضرار لتي سببتها أعمالها كانت قليلة و محدودة مقارنة بالقضاء الفرنسي وذلك لجملة من الأسباب أهمها : فقدان القضاء الجزائري لروح الإقدام و الجرأة على مواجهة السلطة الإدارية .
- عدم وجود جهة قضائية متخصصة فنيا في منازعات القضاء الإداري.
-عدم الوعي لدى الأفراد بحقوقهم في مواجهة السلطة الإدارية .
----------------
(1) : المادة 07/2 من قانون الإجراءات المدنية بعد تعديل 90.
(2) : المادة07/1.
(3) : المادة 277 من قانون الإجراءات المدنية بعد تعديل 90.
(4) : المادة 10من ق 90 -23 التي تعدل المادة 274 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 277 من ذات القانون .
(5) : إبراهيم مامن . نشرة القضاة . العدد 45. دون سنة نشر.

المطلب الثالث : إنشاء مجلس الدولة :
الفرع 1:

تعريف مجلس الدولة الجزائري:يعتبر مجلس الدولة الجزائري مؤسسة دستورية استحدثها دستور 1996 حيث نص في المادة 52 منه على ايلي : " ... يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة لأعمال المجالس القضائية و المحاكم.
تضمن المحكمة العليا ومجلس الدولة توحيد الإجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد و يسهران على إحترام لقانون ..." .
كما استحدث الدستور من خلال ذات المادة محكمة تنازع :" تؤسس محكمة تنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الإختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة " , بذلك تكون هذه المادة قد أعلنت دخول البلاد في النظام الازدواجية (1) حيث يكون مجلس الدولة الهيأة الوطنية في النظام القضائي الإداري , مقابل المحكمة العليا في النظام القضائي العادي ومستشارا للسلطة الإدارية المركزية(2) إلى جانب دوره الرئيسي كمحكمة إدارية عليا .وقد عرفنا من خلال تعرضنا لنظام القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر , وجود هيئة قضائية إدارية تسمى " مجلس الدولة " إلا أن مفهوم مجلس الدولة في الجزائر , يشبه إلى حد كبير مفهوم مجلس الدولة الفرنسي (3) باعتبار هذا الأخير قمة الهرم القضائي الإداري في فرنسا , أما مجلس الدولة المصري فكلمة مجلس الدولة تشمل كل الجهات القضائية الإدارية , وسيتضح لنا ذلك أكثر عند التعرض لتشكيلة هذا المجلس .قد نصت المادة 153 من دستور 1996 أن يحدد قانون عضوي تنظيم مجلس الدولة وعمله واختصاصه ,وقد تم تبرير تبني أسلوب القضاء المزدوج في الجزائر , في الكلمة التي ألقاها وزير العدل خلال اجتماع مجلس الوزراء حول مشروع القانون العضوي المتعلق بصلاحيات تنظيم وسير مجلس الدولة حيث أشار إلى أن الجزائر قد إختارت بعد الإستقلال نظام وحدة القضاء, لكنه و نظرا للممارسات القضائية , وارتفاع عدد القضايا الإدارية الناتجة عن التحولات الإجتماعية و الإقتصادية أصبح من الضروري مراجعة هذا النظام القضائي و العمل بنظام قضائي مزدوج(4).
----------------
(1): أ. د. عمار بوضياف . القضاء الإداري في الجزائربين نظام الوحدة و الازدواجية . المرجع السابق ص 52.
(2): أ.د. محمد الصغير بعلي . المرجع السابق ص 29 .
(3): أ. خلوفي رشيد . المرجع السابق ص 134 .
(4): أ. خلوفي رشيد . مقال النظام القضائي الجزائري " مجلس الدولة"مجلة الموثق . العدد 02 . جويلية . أوت 2001 ص 28.

كما جاء في الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح السنة القضائية (1) :" ... إن تكييف و تعزيز نظامنا القضائي الذي أجري مؤخرا بإقامة مجلس الدولة و تقريب العدالة من المواطن ... هي كلها إجراءات تهدف إلى تحديث الجهاز القضائي ... إن إقامة مجلس الدولة تكرس إزدواجية القضاء وتعزز حماية المواطن ضد التعسف المحتمل في إستعمال الحق من طرف السلطات العمومية لا سيما عبر حق المواطن في الطعن ضد قرارات السلطة الإدارية ... "(2).

الفرع 2:الإطار القانوني لمجلس الدولة :
يجد النظام القانوني لمجلس الدولة قواعده في مصادر متنوعة :
1-الدستور: لاسيما المواد:78/04 ,119 , 143 , 152, 153 (3).
2-القانون : بصفة خاصة القانون العضوي 98 -01 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه و عمله الصادر تطبيقا لنص المادة 153 من دستور 96 ويلاحظ أن هذا القانون احتوى 44 مادة , إذ عمد المشرع إلى الإحالة على القانون و التنظيم و النظام الداخلي في عدة مواطن (4) وهذا يتعارض مع نص المادة 153 من الدستور التي نصت على أن القانون العضوي المتعلق بمجلس الدولة يجب أن يحدد تنظيمه وعمله واختصاصاته.
3- التنظيم : نصت المواد 17, 29, 41, 43 من القانون العضوي 98 -01 إلى ضرورة التدخل عن طريق التنظيم لبيان كيفيات تطبيقه , فصدرت عدة مراسيم :
*المرسوم الرئاسي رقم 98 -187 المؤرخ في 30/05/1998 المتضمن تعيين أعضاء مجلس الدولة.
* المرسوم التنفيذي رقم 98 – 261 المؤرخ في 29/08/1998 المحدد للأشكال و الكيفيات المتعلقة بالإستشارة لدى مجلس الدولة .
* المرسوم التنفيذي رقم 98 -322 المؤرخ في 13/10/1998 المحدد تصنيف وظيفة الأمين العام لمجلس الدولة .
----------------
(1): الخطاب المؤرخ في 27/12/1998.
(2): المجلة القضائية العدد 2/98 . ص 167.
(3): كما أن إدراج رأي المجلس الدستوري رقم 6/ر.و.ع/م.ب /98 المؤرخ في 19/05/1998 المتعلق بمراقبة مطابقة القانون العضوي الخاص باختصاص مجلس الدولة وتنظيمه وعمله للدستور ضمن الإطار الدستوري لمجلس الدولة وقد أبدى المجلس الدستوري هذا الرأي طبقا للفقرة الثانية من المادة 115 من دستور 96 . خلوفي رشيد المرجع السابق ص 136 .
(4):أ.د. محمد الصغير بعلي . المرجع السابق . ص 30 .

4-النظام الداخلي : الذي يعده مكتب مجلس الدولة والذي يعتبر ضمانا لاستقلاليته و احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات كما يعد وسيلة قانونية لعمل و تسيير المجلس .
الفرع 3: تبعية مجلس الدولة للسلطة القضائية :

مجلس الدولة الجزائري يوجد مقره بالعاصمة مع جواز نقله إلى مكان آخر ضمن الأحكام المتعلقة بالمادة 93 من دستور 96 (1) وهو يتمتع بالإستقلالية عن السلطة التنفيذية وهذا ما نستشفه من المادتين 138 و 152 من دستور 96 , و كذلك المادة 02 من قانون 98 -01 السالف ذكره والتي تؤكد إستقلالية مجلس الدولة خاصة حينما يمارس اختصاصاته القضائية , وهو تابع بذلك للسلطة القضائية خلافا لمجلس الدولة الفرنسي التابع للجهاز التنفيذي مثله مثل مجلس الدولة المصري , التابع لوزارة العدل وسنتوسع في تبعية المجلسين عند دراسة النظام القانوني للأعضاءو برر إلحاق مجلس الدولة بالسلطة القضائية عندما عرض وزير العدل مشروع القانون العضوي رقم 98-01 على الحكومة كون هذا الإختيار يشكل مرحلة إيجابية لتكريس مبدا الفصل بين السلطات ومن ثم توطيد السلطة القضائية في دور حماية المجتمع و الحريات (2) , وقد كرر هذا التبرير في بيان الأسباب لمشروع القانون 98 -01 و تجسيدا للإستقلالية الوظيفية لمجلس الدولة , اعترف له بالإستقلالية المالية (3) وكذا الإستقلالية في مجا ل التسيير بموجب المادة 13 من القانون 98-01 .يعد المجلس تقريرا عن حصيلة نشاطاته و قراراته إلى رئيس الجمهورية
بعد إعطاء لمحة عن نشأة مجلس الدولة الجزائري وإطاره القانوني , نلاحظ تميزه عن مجلس الدولةالصري سواءا من حيث المفهوم اومن حيث استقلالية مجلس الدولة الجزائري عن السلطة التنفيذية و تبعيته للسلطة القضائية تماشيا مع النصوص الدستورية في ظل اختيارات و ظروف تتعلق بكل دولة على حده.



الأحد، 25 نوفمبر 2012

الادارة العامة في الجزائر



بدأت معالم وسمات الإدارة الفرنسية تتضح ،مع استلام الجنرال بيجو مقاليد الجزائر . وإن كانت هذه الإدارة في بداياتها مــــــــــزيج بين النظم الإدارية السائدة في فرنسا وتلك التي وجدها الفرنسيون قائمة في الجزائر .
وقد كان للمقاومة الوطنية ورفض المجتمع الجزائري وعزوفه عن التعامل مع الفرنسيين والصراعات التي احتدمت بين المدنيين والعسكريين ، دور في الإبقاء على هذا الوضع إلى عهد الجمهورية الثالثة التي انتهجت سياسة الإدماج وما رافقها من هجمة شرسة على كل المعالم الدالة على تميز الجزائر عن فرنسا وذلك في كل مجالات الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية .
الإدارة العامة في الجزائر لا تختلف عن مثيلتها في سائر دول العالم الثالث وذلك من حيث كونها أداة بواسطتها يتم تنفيذ السياسة العامة للدولة .
إلا أن ما يميزها هي أنها ادارة موروثة عن الاستعمار الفرنسي الذي اتخذها أداة قمع بغية طمس الشخصية الوطنية وجند لها بعض الجزائريين الذين يؤمنون بفرنسا أكثر من ايمانهم بالجزائر وكان لهم دور فعال في تحقيق مآرب فرنسا الاستعمارية فهم يشكلون حلقة وصل بين الادارة الفرنسية والشعب الجزائري ، علما بأن هذه الادارة كانت لخدمة المعمرين بالدرجة الاولى .
لقد استطاع الاستعمار الفرنسي أن يجعل من الادارة الجزائرية في عهده إدارة قمعية مما أدى الى تشكيل هذه النظرة المناوئة لها بعد الاستقلال بسبب السلوكيات التي مورست في عهد الاستعمار الفرنسي وبعض السلوكات التي مازال يمارسها الكثير من الاداريين في الوقت الراهن .
وإذا أردنا أن نبحث عن تفسير للأزمة المتعددة الجوانب التي عاشتها البلاد ، فإننا نجد الإدارة العامة قد لعبت دورا أساسيا وفاعلا في خلق وتأجيج نار الأزمة.
ظهرت أول ادارة عامة في الجزائر سنة 1956 بعد انعقاد مؤتمر الصومام وتم تجسيدها بصفة فعلية مع التقسيم السياسي والإداري الذي رافق الاعلان عن إنشاء الحكومة المؤقتة سنة 1958 .
الادارة العامة بعد الاستقلال:
ومع أن الجزائر حققت استقلالها سياسيا في 05 جويلية 1962 إلا أنها لم تحققه إداريا حيث أنها بقيت تابعة للمنظومة الادارية الفرنسية الى حد الأن، و ورثت مشاكل كثيرة متعددة الجوانب ومنها انعدام الاطارات اللازمة القادرة على تسيير البلاد ، ووجود فراغ رهيب في مختلف الوظائف الادارية والفنية بسبب انسحاب الفرنسيين من الأجهزة الادارية من جهة والنقص الفادح في الجزائريين الذين باستطاعتهم سد الفراغ من جهة أخرى، ويرجع ذلك الى السياسة الاستعمارية التي كانت تعطي الأولوية في التوظيف للمعمرين، ذلك أن الجزائريين كثيرا ما يصطدمون بحاجز التمييز العنصري ولايستطيعون الانخراط في الجهاز الاداري الاستعماري الا بصعوبة وهذا ما ألزم الدولة على فتح باب التوظيف على مصرعيه دون انتقاء ، وهذا ما استغله الكثير لاقتناص المناصب الحساسة سواء لتواجدهم في الأجهزة الادارية قبل الاستقلال أو نتيجة لمستواهم الثقافي الذي كان أحسن من مستوى أفراد الشعب الأخرين .
يمكن القول أن دستور 1963 لم يدخل حيز التنفيذ نظرا للأوضاع التي سادت السنوات الأولى للاستقلال ومع صدور بيان 19 جوان 1965 الذي عمل به كدستور صغير ، وفي هذه المرحلة أخذت الجزائر بنموذج دوبارنيز الروسي وهو نموذج المشاريع المصنعة من أجل تحقيق المصلحة العامة حيث يتم في هذا النموذج استخدام مخططات طويلة المدى .
وفي دستور 1976 عملت الادارة العامة على تحقيق المصلحة العامة عن طريق الصناعات الثقيلة ( مركبات الحجار ـ أرزيو ـ رويبة ...)وبقي الحال على حاله حتى سنة 1986 مع وقوع الازمة الاقتصادية العالمية وهبوط أسعار البترول في الأسواق العالمية ، وانتهاج الجزائر سياسة التقشف وتسريح العمال ، وما نجم عن أحداث 05 أكتوبر 1988 وصدور دستور 1989 وظهور الجمعيات ذات الطابع السياسي وبالموازاة مع ذلك في العالم انهيار المعسكر الاشتراكي ونهاية الحرب الباردة .
وفي سنة 1990 جرت الانتخابات التي فازحرب الجبهة الاسلامية الانقاذ ، الذي تم حله لاحقا وبداية الصدام بين أنصار هذا الأخير واعوان الادارة واتهامها بالتزوير وتلت هذه المرحلة العشرية السوداء التي فقدت فيها الادارة الجزائرية الكثير من أبنائها بالاضافة الى هدم وحرق الكثير من المؤسسات الادارية .
بحث حول الادارة العامة في الجزائر
النموذج البيروقراطي الجزائري

مفهوم البيروقراطية : إن مفهوم البيروقراطية يتصل بالسياسة ، والاجتماع وعلم النفس ، كما يتصل ويتعلق بالإدارة والبيئة الاجتماعية ، ومختلف الظروف البيئية .
ويعتبر مفهوم البيروقراطية من أقدم المفاهيم الإنسانية ، ومن أعقدها على الإطلاق نظراً لما يتضمنه من معان متعددة ، وفق الهدف من استعماله ، بل إن هذه المعاني قد تضاربت تماماً إذ ما قورنت ببعضها البعض ، ويزيد من المشكلة أن بعض استعمالات مفهوم البيروقراطية قد أخذ طابعاً سيئاً وشاع استعماله على هذا النحو ، حتى ليكاد يعني فى مجموع مضمونه – وفق شيوع هذا الاستعمال – مجموع التعقيدات الإدارية وما تتسم به إجراءات الإدارة من جمود يؤدي إلى عرقلة التوصل إلى الحل ومن ثم إلى عدم تحقيق الهدف .
ونورد الاستعمالات الأتية لمفهوم البيروقراطية فى الواقع العملي :
1.
قد يعني مفهوم البيروقراطية النظام الإداري كله خاصة ما يتسم به من ضخامة .
2.
البيروقراطية قد تتصرف إلى مجموع الإجراءات التى يجب إتباعها فى مباشرة العمل الحكومي بصورة عامة والنشاط أو العمل الإداري بصورة خاصة ، وفى داخل المكاتب أو التنظيمات الإدارية .
3.
قد تستعمل البيروقراطية لتعني القوة Power مفسرة على أساس السلطة Authority بمعني النفوذ أو السيطرة . وتعني ذلك القدر من السلطة الذى يمارسه الموظف العام ، أو التنظيم الإداري ، أو مجموع العنصر الإنساني الذى يشغل الوظائف العامة فى نظام الخدمة المدنية .
4.
قد تعني البيروقراطية " الدور" الممارس من قبل الموظفين العموميين فى إطار النظام السياسي فى الدولة .
5.
وقد ينصرف مفهوم البيروقراطية إلى التكوين الإداري على أساس النظر إليه كتكوين حكومي سياسي بطبيعته يمكن النظر إلى البيروقراطية من خلال خصائص بناء التنظيم على أساس أنها مرادفة لمفهوم بناء السلطة الهرمية فى التنظيم الإداري والذى يتحقق فيه تقسيم واضح للعمل .
6.
قد تعني البيروقراطية تنظيماً إدارياً ضخماً له خصائصه ومميزاته .
7.
قد يعني مفهوم البيروقراطية معني أخر يتسم بالنقد فى مجالات الأنشطة الإدارية حيث تعتبر البيروقراطية مصدراً مشكلات الجهاز البيروقراطي الجزائري
يمكن تشخيص عدد من المشكلات التي يعانى منها الجهاز البيروقراطي الجزائري في ما يلي:
أ. ضعف التكامل والانسجام الزمني بين برامج التنمية الاقتصادية وبرامج التنمية الادارية، اذ عادة ينصب الاهتمام على برامج الانماء الاقتصادي مع اغفال دور النظام الاداري الذي يجب ان يتماشى مع هذه البرامج، الامر الذي يؤدي الى اتساع الفجوة بين كلا النوعين من البرامج، وعندها تظهر الاختناقات والمشكلات في النظام الاداري.
ب. غياب النظرة التكاملية لبرامج التنمية الادارية لدى عدد كبير من القيادات الادارية، الذي ادى الى بروز الظواهر السلبية الاتية:
ـ المركزية
ـ الروتين الجامد
ـ سوء التخطيط وضعف التنسيق
ـ سوء توزيع العاملين
ـ نقص الكفاءات الفنية والادارية
ـ انخفاض الولاء الوظيفي لدى العاملين
ــ إضفاء طابع السرية الشديد على الأعمال الإدارية ولو كانت بسيطة .
ج. اسناد المراكز القيادية في الجهاز الاداري لعناصر لا تتمتع بالكفاءة، مع بروز ظاهرة المحسوبية ، ما ادى الى ظهور مشاكل أساسية في ضعف قدرة هذه العناصر على قيادة منظمات الجهاز الاداري.
د. شيوع النزعة التسلطية لدى عدد كبير من القيادات الادارية، والركون الى اصدار التوجيهات والاوامر من دون بذل الجهد لتطوير العمليات الانتاجية والارتقاء بجودة السلع والخدمات.
هـ. تفشي بعض النزعات والممارسات الخاطئة في الجهاز الاداري التي ترتبط بقضايا التعيين، واناطة المسؤوليات الادارية، وتقويم الاداء، والترقية، والحوافز المعنوية والمادية على اسس من المحسوبية والعلاقات الشخصية وسيادة النظرة غير الموضوعية لعلاقات العمل.
و. الروتين الطويل وشيوع اسلوب (الواسطة) في انجاز بعض المعاملات التي تضطلع بها منظمات الجهاز الاداري حيث برزت بعض نتائج ذلك في انخفاض الانتاجية، وتقليل استثمار الوقت، والتأثير على مصالح الجمهور المستفيد وعلى علاقاته مع الاجهزة الحكومية المختلفة.
ز. تفشي الفساد والرشوة في بعض اوساط الجهاز الاداري، اذ ينظر الى بعض المراكز الحساسة في الدولة على انها مواقع ممتازة لغرض الكسب والاثراء غير المشروع والتمتع بالامتيازات على حساب الدولة.
ح. البطء في استيعاب ومواكبة التغييرات الادارية الحديثة، ووجود مقاومة للتغيير لدى عدد من القيادات الادارية والمسؤولين المنتفعين في بعض الاجهزة، مما ادى الى تدنٍ ملحوظ في مستويات الاداء وتحقيق الاهداف.
ط. اعتبار النقد البناء وابداء وجهات النظر نزعة معارضة وغير تعاونية، كما ان الدعوة الى الممارسات الديمقراطية كانت تقابل بالرفض باعتبارها نزعات تستهدف الاخلال بالنظام.
ي. تعدد التشريعات واللوائح واحيانا تعارضها مع بعضها البعض، وصدور الكثير منها بشكل متسرع من دون خضوعها للدراسة والتمحيص ما ولد صعوبات عملية عند تطبيقها وادى الى اللجوء للاستثناءات نتيجة الخلل في بعض منها.
خلفيات الجهاز البيروقراطي في الجزائر
1 ــ الخلفية التاريخية : ذكرنا في ما سبق أن الادارة الجزائرية أو بالأحرى النموذج البيروقراطي الجزائري موروث استعماري فالادارة الجزائرية رغم محاولتها مسايرة التقدم الحاصل في جميع الجوانب لم تسلم من رواسب نشأتها التاريخية ، وهي رواسب انعكست على طبيعة هيكلها التنظيمي وعلاقتها بالمواطنين بالاضافة الى التشريعات التي تنظم عملها .
2
ـــ الخلفية الاقتصادية:أول من أتى بالتفسير الاقصادي للبيروقراطية هو السوفياتي تروتسكي عند تحليله للبيروقراطية في عهد ستالين، حيث أكد على ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية تسد الأبواب في وجه الانحرافات البيروقراطية ، وبمعنى أخر كان ضروريا انتهاج سياسة شد الحزام نظرا لضعف الموارد من جهة وكثرة الانفاق نتيجة انتهاج الجزائر للصناعة الثقيلة.
3
ـــ الخلفية السياسية: انتهجت الجزائر بعد الاستقلال النهج الاشتراكي وكان من الأجدر دراسة وضعية حزب جبهة التحرير الوطني باعتباره الحرب الحاكم أنذاك يقوم باعداد وتنفيذ السياسة العامة ومراقبة تطبيقها ، ومن هنا نستنتج أن للحرب مهمتان رئيسيتان هما، وضع الخطط العريضة للسياسة الجزائرية ومراقبة تطبيقها الذي تقوم به الادارة .
ولكن هل كان حرب جبهة التحرير الوطني مهيأ لأداء هذه المهمة ؟
المراجع
1. الدكتور خميس السيد اسماعيل . الادارة والتنظيم الاداري في الجمهورية الجزائرية.الجزائر 1975.
2.
الاستاذ أحمد محيو . محضارات في المؤسسات الإدارية ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 1986.
3.
الاستاذ علي زغدود.الادارة المركزية في الجمهورية الجزائرية . الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر.
4.
الدكتور سليمان محمد الطماوي. مبادئ علم الادارة العامة .دار الفكر العربي.1980
5. الدكتور سليمان محمد الطماوي. نشاط الادارة العامة .دار الفكر العربي.1954
http://law-dz.bplaced.net/index.php?showtopic=10975

ادارة المنازعات الادراية

ادارة المنازعات الادراية تعتبر المنازعات(سواء الفردية أو الجماعية)اليوم داخل المؤسسات العمومية اللتي تقع بين المنظمات العمالية وأرباب ال...