close
عنوان الصورة

الاثنين، 11 مارس 2013

الضبط الاداري


محاضرات الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
قسم القانون العام
الأكاديمية العربية المفتوحة الدانمارك
الضبط الاداري :
تعريف الضبط الإداري وتمييزه عن غيره من صورالضبط الأخرى.
يمكن إعطاء تعريفات متنوعة للضبط الإداري من زوايا متعددة. غير أن الفقه ركز كثيرا عن معيارين للتعريف بالضبط هما المعيار العضوي والمعيار الموضوعي.
فتبعا للمعيار العضوي يمكن تعريف الضبط الإداري على أنه مجموع أجهزة والهيئات التي تتولى القيام بالتصرفات والإجراءات التي تهدف إلى المحافظة على النظام العام.
ومن منطلق المعيار الموضوعي يمكن تعريف الضبط الإداري على أنه مجموعة الإجراءات والتدابير التي تقوم بها الهيئات العامة حفاظا على النظام العام. أو النشاط الذي تقوم به السلطات العامة من أجل المحافظة على النظام العام. والمعنى الثاني للضبط هو الراجح فقها[1]. والضبط الإداري ظاهرة قانونية قديمة جدا التصق وجوده بالدولة في حد ذاتها فلا يتصور وجود دولة قائمة تمارس سيادتها على إقليمها وتتحكم في سلوكات أفرادها اذا لم تلجأ إلى استعمال وإجراءات وسائل الضبط لفرض نظام معين ولضمان حد أدنى من الاستقرار. فالضبط الإداري على هذا مظهر من مظاهر وجود الدولة وغيابه كفيل بزوالها.
وجدير بالملاحظة أن الضبط الإداري وظيفة قائمة في كل الدول على اختلاف طبيعة نظامها السياسي وتركيبة أفرادها. فكل دولة تسعى بصورة أو بأخرى إلى المحافظة على نظامها العام لبعث عرى الإستقرار فيها. ومهما تعددت تعريفات الضبط لدى الفقهاء، الا أن الضبط يظل مفهومه واحدا، فهو عبارة عن قيود وضوابط تفرضها السلطة العامة على نشاط الفرد أو الأفراد خدمة لمقتضيات النظام العام.فاذا كان الفرد يتمتع بحرية التنقل، فله أن يستعملها متى شاء، أن يتنقل داخل الوطن وخارجه، وأن يتنقل داخل الوطن ليلا ونهارا. غير أن السلطة العامة وبهدف المحافظة على النظام العام قد تحد بعض الشيء من حرية الفرد فلتلزمه بعدم التنقل لمكان معين إلا بموجب رخصة تسلمها هيئة محددة أو أن تلزمه بعدم التنقل ليلا لاعتبارات أمنية. أو تلزمه بعدم استعمال طريق أو جسر معين منعا للحوادث وهكذا... فلا يتصور وفي كل الحالات أن تبادر السلطة الى فرض قيود وضوابط على الحريات العامة دون أن تقصد هدفا معينا بذاته.
ويقتضي التعريف بالضبط الإداري تمييزه عن صور الضبط الأخرى كالضبط التشريعي والضبط القضائي.

أ- الضبط الإداري و الضبط التشريعي:
يقصد بالضبط التشريعي مجموع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية والتي يكون موضوعها الحد من نطاق مباشرة بعض الحريات الفردية فمصدر المنع أو القيد أو الضبط هو السلطة التشريعية. وعليه وعند مقابلة تعريف الضبط الإداري بالضبط التشريعي يتبين لنا أن الهدف في النوعين واحد هو المحافظة على النظام العام. والاختلاف بينهما يكمن في أن الضبط الإداري تباشره وتشرف عليه سلطة إدارية، والضبط التشريعي مصدره السلطة التشريعية.
وقد يحدث التداخل بينهما عندما تبادر السلطة التشريعية إلى سن تشريعات ضبطية وتتولى السلطة التنفيذية ممثلة في الإدارة بتنفيذ هذه التشريعات وفرض قيود على حريات الأفراد بالكيفية المحددة في التشريع.

ب- الضبط الإداري والضبط القضائي:
سبق البيان أن الضبط الإداري يتضمن مراقبة نشاط الأفراد وتوجيهه على نحو يكفل المحافظة على النظام العام. فهو على ذلك إجراء وقائي. بينما الضبط القضائي يهدف الى البحث عن الجرائم ومعرفة مرتكبيها لتتولى أجهزة الضبط تقديمهم الى السلطة القضائية المختصة وفقا للإجراءات المحددة قانونا. فالضبط القضائي يتخذ ويباشر بعد وقوع الجريمة أو المخالفة وليس قبلها.
ويتولى مهام الضبط الإداري السلطة الإدارية ممثلة في رئيس الجمهورية الوزراء الولاة رؤساء المجالس الشعبية البلدية[2].بينما يباشر مهام الضبط القضائي فئة معينة منحها القانون صفة الضبطية القضائية وخولها مهمة القيام ببعض الإجراءات كضباط الدرك وضباط الشرطة ورؤساء المجالس الشعبية البليدة وغيرهم. والإطار القانوني الذي ينظم عمل هؤلاء هو قانون الإجراءات الجزائية.
ورغم سعة مجال التمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي، الا أن التقارب بينهما يتم في حالات محددة وذلك بالنظر الى أن جهات معينة تمارس وظيفتين سلطة للضبطية الإدارية وأخرى للضبطية القضائية في ذات الوقت. مثلما هوالحال بالنسبة لرئيس المجلس الشعبي البلدي، فصفته كرئيس للمجلس الشعبي البلدي (الصفة الإدارية) تفرض عليه اتخاذ كل إجراء وقائي  يمس جانب الأمن العام أو الصحة العامة أو السكينة العامة، كأن يغلق طريقا أو أن يمنع ممارسة التجارة في بعض الشوارع.أو أن يمنع سير الحيوانات في المناطق العمرانية وغيرها. وصفة الضبطية القضائية تفرض عليه أن يتحرك وأن يتخذ كل الإجراءات القانونية عند وقوع الفعل أو حدوث الجريمة. وعون الشرطة مثلا يقوم كأصل عام بتنظيم حركة المرور وله أن يوقف الأفراد والسيارات. ولكن  اذا لاحظ جريمة معينة بأن رأى سائقا في حالة سكر أو أن بحوزته بضاعة ممنوعة تعين عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة.
ج- التمييز بين الضبط و المرفق العام:
غالبا ما نجد التمييز بين الضبط الإداري والمرفق العام قائما على أن الأول يقيد من حريات الأفراد والثاني يقدم لهم خدمات لذلك وصف الفقه الضبط على أنه نشاط سلبي والمرفق على أنه نشاط ايجابي. فالضبط يترتب عليه المساس بحرية الفرد أو الأفراد على النحو السابق الإشارة إليه خلافا للمرفق إذ يقف الفرد موقف المنتفع من خدماته مجانا أو برسوم يلزم بدفعها. وتختلف الجهة التي تتولى مباشرة إجراءات الضبط عن الجهة التي تتولى ضمان توفير الخدمة للمنتفعين، ففي الحالة الأولى نجد الجهة دائما سلطة عامة ممثلة في رئيس الجمهورية أو وزير معين أو والي أو رئيس مجلس شعبي بلدي، فهذه الهيئات هي من يعود لها الحق في أن تضرب على الحريات العامة قيدا أو قيودا لاعتبارات تمليها المصلحة العامة. وبالكيفية التي حددها القانون.
والأمر غير كذلك بالنسبة للمرفق العام حيث أن النشاط قد يعهد به إلى شركة أو إلى فرد وتقوم العلاقة مباشرة بين الشركة أو الفرد من جهة والمنتفع من جهة أخرى.
وبالنتيجة ننتهي أن طبيعة إجراءات الضبط من الخطورة حيث لا يمكن إسنادها إلى أشخاص القانون الخاص. خلافا للمرفق العام يمكن نقل نشاطه وإسناده إلى فرد أو شركة تتولى القيام به وفق ما بيناه سابقا.

المطلب الثاني: خصائص الضبط الإداري.

يتمتع الضبط الإداري بجملة خصائص تميزه عن غيره، من نشاطات الإدارة يمكن حصر هذه الخصائص فيما يلي:


1. الصفة الانفرادية:
إن الضبط الإداري في جميع الحالات إجراء تباشره السلطة الإدارية بمفردها وتستهدف من خلاله المحافظة على النظام العام.فلا يتصور أن تلعب إرادة الفرد أو الأفراد دورا حتى تنتج أعمال الضبط أثارها القانونية وتبعا لذلك فان موقف الفرد من الضبط  هو موقف الخضوع والامتثال لجملة الإجراءات التي فرضتها الإدارة، وهذا طبعا وفق ما يحدده القانون وتحت رقابة السلطة القضائية. بينما يختلف الأمر أن كنا بصدد مرفق عام فان إرادة الفرد قد تبرز بشكل جلي كما لو تم الاتفاق على إدارة المرفق بطريق الامتياز فيتولى الملتزم ضمان النشاط وتوفير الخدمة للجمهور بأمواله وعماله وتحت مسؤوليته المباشرة. 

2. الصفة الوقائية:
يتميز الضبط الإداري بالطابع الوقائي فهو يدرأ المخاطر على الأفراد. فعندما تبادر الإدارة إلى سحب رخصة الصيد أو رخصة السياقة من أحد الأفراد فلأنها قدرت أن هناك خطر يترتب على استمرارية احتفاظ المعني بهذه الرخصة. والإدارة حينما تغلق محلا أو تعاين بئرا معينا أو بضاعة معينة فإنها تقصد بعملها الإجرائي هذا وقاية الأفراد من كل خطر قد يداهمهم أي كان مصدره. والسلطة عندما تفرض تراخيص واعتماد لممارسة بعض الأنشطة التجارية (استغلال المناجم أو المحاجر) فان ذلك بغرض حماية أمن الأشخاص ووقايتهم من كل خطر قد يلحق بهم ويكون ناتجا عن هذا الاستغلال.

3. الصفة التقديرية:
ويقصد بها أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية فعندما تقدر أن عملا ما سينتج عنه خطر تعين عليها التدخل قبل وقوعه بغرض المحا فظة على النظام العام فهي إن قدرت عدم منح رخصة لتنظيم سياسي بغرض إقامة  تظاهرة عامة أو اجتماع عام فإنها لاشك رأت ان هناك مخاطر نستنتج عن هذا النشاط الجماعي.

المطلب الثالث: مجالات الضبط الإداري.

إن مجال الضبط الإداري  من السعة بمكان. فله مظاهر وأوجه كثيرة ومتنوعة تمس قطاعات مختلفة ولاغنى للأفراد عنها. فهناك ضبط يتعلق بالأمن الصناعي وحماية المنشآت الصناعية خاصة من حيث نقل المواد ذات الخطورة على الأفراد أو على البيئة. وهناك ضبط يتعلق بآثار وحماية المواقع التاريخية. وهناك ضبط يتعلق بالحدائق والميادين والشوارع العامة والقاعات الكبرى والملاعب. وضبط يتعلق بممارسة بعض الأنشطة التجارية كاستغلال المناجم والمحاجر. وضبط يتعلق بممارسة الأنشطة السياسية عقد الاجتماعات الحزبية العامة وإقامة المؤتمرات الحزبية والتظاهرات العامة. وضبط يتعلق بالمجال العقاري والمجال الصحي ومجال الصيد واستغلال قاعات الألعاب وغيرها من صور الضبط الكثيرة.
ولما كانت مجالات الضبط كثيرة ومتنوعة، وتمس قطاعات كثيرة من الضروري أن تتعدد هيئات الضبط فيتدخل رئيس الجمهورية ليمارس اجراءات الضبط ويتدخل رئيس الحكومة وبعض الوزراء والولاة ورؤساء المجالس الشعبية البلدية وبعض المديريات التنفيذية على مستوى الولاية كمديرية الصحة ومديرية التنظيم العام ومديرية المناجم ومديرية الشؤون الدينية وغيرها من الأجهزة الإدارية.
ومن الطبيعي القول أن سعة مجال الضبط يؤدي الى تعدد قوانين الضبط بين نص دستوري وقانوني ونص تنظيمي.
ومن أمثلة النص الدستوري ما سبق التعرض له عند تحليل المادة 91-92-93-94-95-96. من الدستور.

ومن أمثلة القوانين (قوانين الضبط):
1- القانون 89 -28 المؤرخ في 31 -12. 1989 المتعلق بالاجتماعات و المظاهرات العمومية المعدل بموجب.
2- القانون 91-19 بتاريخ 02. 12.91 القانون 90-29 المؤرخ في 01 -12 – 90 المتعلق بالتهيئة و التعمير.
3- القانون 90-29 المؤرخ في 19 -08- 98 يعدل ويتمم القانون 85 – 05 المؤرخ 16-02- 85 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها.
4- القانون 90-08 – المؤرخ في 7 أفريل المتضمن قانون البلدية.
5- القانون 90-09 المؤرخ في 7 أفريل المتضمن قانون الولاية.
ومن أمثلة النصوص التنظيمية:
1- المرسوم التنفيذي رقم 91-53 المؤرخ في 23. 02. 91 المتعلق بالشروط الصحية عند عرض الأغذية للاستهلاك.
2- المرسوم التنفيذي رقم 95- 363 المؤرخ في 11-12-95 المتضمن كيفيات التفتيش البيطري للحيوانات الحية و المنتوجات الآتية من أصل حيواني المخصصة للإستهلاك البشري.
3- المرسوم التنفيذي 96- 121 المؤرخ في 06-04-1996 المتعلق بشروط الصيد البحري.
4- المرسوم التنفيذي 96- 121 المؤرخ في 25. 04.98 المتعلق بشروط استغلال قاعة الألعاب.
ومن القرارات الوزارية:  
- قرار 30-12-99  المتعلق بايداع أسلحة الصيد (وزارة الداخلية).
- قرار 12-12-1999 المتعلق بشرطة العمران وحماية البيئة.


المطلب الرابع: أنواع الضبط الإداري.

إذا كان الضبط الإداري يتمثل في مجموعة من الإجراءات التي تتخذها السلطة المختصة ويترتب عليها المساس بحرية الأفراد، فان هذه القيود تختلف من حيث مجال نطاقها فقد تخص مكانا محددا أو أشخاصا معينين أو موضوعا دون غيره، لذلك قسم الفقه الضبط إلى نوعين ضبط عام وآخر خاص.

الضبط العام
ويقصد به النظام القانوني العام للبوليس الإداري أي مجموع السلطات الممنوحة لهيئات البوليس الإداري من أجل المحافظة على النظام العام بمختلف محاوره من أمن عام وصحة عامة وسكنية عامة.[3]

الضبط الخاص:
ويقصد به السلطات التي منحها القانون للإدارة بقصد تقييد نشاطات وحريات الأفراد في مجال محدد ومعين.  فهو على هذا النحو اما أن يخص مكانا بذاته أو نشاطا بذاته. ومثال النوع الأول ما تفرضه السلطة العامة من اجراءات في مجال تنقل الأشخاص كأن تفرض رخصا للتنقل في بعض المناطق أو أن تحظر تنقلهم في مواقيت محددة تعلن عنها وغير ذلك من الإجراءات.
ومثال النوع الثاني أن تفرض الإدارة قيودا لتنظيم حركة المرور كأن تغلق شارعا معينا أو أن تفرض إجراءات معينة لممارسة الأفراد حق الاجتماع العام أو مسيرة أو إقامة حفلات ليلا وهكذا. فكل حرية عامة تمس في ممارستها حرية الآخرين أو حقوقهم يجوز للإدارة تقييدها بالطرق التي حققها القانون. فليس من حق الفرد تحت عنوان الحريات العامة أن يبادر بمباشرة عمل الصيد بصفة مطلقة فمن حق السلطة العامة أن تفرض عليه قيودا تتعلق باستعمال سلاح الصيد أو أنواع الحيوانات المرخص لاصطيادها أو المكان المخصص لممارسة هذا العمل.

المطلب الخامس: أغراض الضبط الإداري.

ذكرنا سابقا أن الضبط الإداري كمجموعة قيود صادرة عن سلطة عامة إنما الهدف منه هو المحا فظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام الصحة العامة والسكينة العامة.
أولا: الأمن العام. 

يقصد بالأمن العام استتباب الأمن والنظام في المدن والقرى والأحياء بما يحقق الاطمئنان لدى الجمهور على أنفسهم وأولادهم وأعراضهم وأموالهم من كل خطر قد يكونون عرضة له،ومن أخطار الكوارث العامة والطبيعية كالحرائق والفيضانات والزلازل وغيرها.[4]
لذا تعين عن السلطة العامة توفير كافة الإمكانات و اتخاذ  كل الإجراءات لضمان الأمن العام للأفراد في الظروف العادية و الظروف الاستثنائية.

ثانيا: الصحة العامة.
إلى جانب توفير الأمن العام للجمهور يقع على عاتق السلطة العامة اتخاذ الإجراءات اللازمة بغرض وقاية صحة الأفراد. أيا كان مصدر الخطر أو المرض سواء الحيوان أو المياه أو أي مادة أخرى. فإذا تبين للسلطة العامة أن مادة غذائية ما أصبحت تشكل خطرا على صحة الأفراد جاز لها أن تتخذ كل إجراء بغرض منع بيعها أو عرضها للجمهور ولو عن طريق القوة العمومية. وإذا تبين لها واستناد لتقارير طبية أن البقر في مكان محدد يعاني من أمراض تهدد المستهلك فالإدارة صلاحية منع بيعه في الأسواق في ذلك المكان وكذلك منع بيع اللحوم.
ولا تتدخل الإدارة فقط عند ظهور الخطر أو المرض، وإنما قبلة أيضا، وهو الأصل في إجراءات الضبط. فلها أن تراقب مجاري المياه ومعالجتها ومنع استعمالها. ولها أن تراقب الموارد المعروضة للبيع خاصة المواد ذات الاستهلاك الواسع وأن تفرض إجراءات لحمايتها. ولها أن تباشر كل إجراء يهدف لحماية الصحة العامة ولو بلغ الأمر حد غلق المحل أو المحلات التجارية.

ثالثا: السكينة العامة.
من حق الأفراد وفي كل مجتمع أن ينعموا بالهدوء والسكينة في الطرق و الأماكن العامة وأن لا يكونوا عرضة للفوضى والضوضاء، وعليه يقع على عاتق الإدارة القضاء على مصادر الإزعاج في الشوارع والطرقات العامة ومنع استخدام الوسائل المقلقة للراحة كمكبرات الأصوات مثلا أثناء الحفلات أو اللقاءات العامة سواء في النهار أو الليل.
وتحقيقا لهذا الهدف صدر المرسوم التنفيذي رقم 93-184 المنظم لإثارة الضجيج والذي صدر تطبيقا للمادة 121 من القانون 83 -03 المتعلق بحماية البيئة. وقد صنف هذا المرسوم مستويات الضجيج المسموح بها في أماكن متعددة العامة والخاصة...
غير أن فكرة النظام العام بنظر الكثير من الفقهاء طرأ عليه تغييرا كبيرا  تمثل في عدم الاكتفاء بالعناصر الثلاثة المذكورة وإدخال مفهوم آخر أشمل وأوسع للنظام العام يتضمن مسائل اقتصادية واجتماعية، وأن كان هذا المفهوم يتحكم فيه طبيعة النظام السائد داخل الدولة (الليبرالي، الاشتراكي).[5]
وتحت هذا المفهوم الجديد تستطيع الإدارة أن تفرض بعض القيود لتنظيم النشاط الصناعي والتجاري، كما أنه بإمكانها أن تفرض على الأفراد ترتيبات تقتضيها المصلحة العامة. ومثال ذلك أن يفرض رئيس المجلس الشعبي البلدي على التجار المتجولين عدم ممارسة التجارة على الأرصفة أو أن يمنع إقامة محلات تجارية أو مقاهي بجانب تجمعات معينة، وعموما يخول له اتخاذ كل  إجراء من شأنه المحافظة على الطابع الجمالي للبلدية.

المطلب السادس: هيئات الضبط.

لعلة تبين لنا أن الضبط الإداري إجراء وان كان القصد منه المحافظة على النظام العام إلا أنه يحمل خطورة معينة بالنظر لصلته بالحريات العامة وتأثيره عليها. لذا وجب تحديد هيئات الضبط والتقليص منها حتى لايصبح التقييد هو الأصل والتمتع بالحريات العامة هو الاستثناء.
ثم أن تحديد هيئات الضبط ينتج عنه القضاء على ظاهرة تداخل الاختصاص فلو تعددت الهيئات لأدى ذلك إلى تنازع في مجال ممارسة هذا الاختصاص.
وعلى العموم يمكن تقسيم هيئات الضبط إلى قسمين، هيئات تمارس اختصاص الضبط على المستوى الوطني وهيئات تمارس اختصاص الضبط في حدود جغرافية وإقليمية محددة.

أولا:  هيئات الضبط على المستوى الوطني.
إن هيئات الضبط على المستوى الوطني تكمن في رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء.

أ-رئيس الجمهورية:  اعترفت مختلف الدساتير لرئيس الجمهورية  بممارسة مهام الضبط فهو المكلف بالمحافظة على  كيان الدولة وامنها وسلامتها من أجل ذلك خول له الدستور اقرار حالة الطوارئ والحصار واقرار الحالة الإستثنائية. والهدف الأساس من إقرار هذه التدابير هو حماية الأرواح والممتلكات، فقد تقتضي الظروف من رئيس الجمهورية أن يعمد إلى إتباع إجراء معين بغرض الحد من المخاطر التي تهدد الأفراد ومحاولة التقليل قدر الإمكان من الأضرار المترتبة عليها.  ورئيس الحكومة والوزراء.

ب- رئيس الحكومة: لم تشر القواعد الدستورية صراحة إلى سلطات رئيس الحكومة في مجال الضبط، واكتفت بالاعتراف لريس الجمهورية بإقرار حالة الطوارئ والحصار والحالة الاستثنائية.
غير أن رئيس الحكومة كما سبقت الإشارة يستشار من قبل رئيس الجمهورية عندما يريد هذا الأخير اتخاذ أي اجراء يترتب عليه تقييد مجال الحريات العامة في مواضع محددة أو أماكن محددة. ثم أن رئيس الحكومة قد يكون مصدرا مباشرا للإجراءات الضبطبة فهو من  يشرف على سير الإدارة العامة. وتخول هذه الصلاحية له ممارسة نظام الضبط بموجب مراسيم تنفيذية أو تعليمات يصدرها ويلزم تنفيذها الأجهزة المختصة.

ج- الوزراء: الأصل أنه ليس للوزراء حق ممارسة مهام الضبط الإداري العام، لأنها صلاحية معقودة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، غير أن القانون قد يجيز لبعض الوزراء ممارسة بعض أنواع الضبط بحكم مركزهم وطبيعة القطاع الذين يشرفون عليه وهذا ما يمكن تسميته بالضبط الخاص. فوزير الداخلية مثلا هو أكثر الوزراء احتكاكا وممارسة لإجراءات الضبط على المستوى الوطني سواء في الحالات العادية أو الحالات الاستثنائية وهو مادلت عليه النصوص الكثيرة المنظمة لصلاحيات وزير الداخلية منها أحكام المرسوم التنفيذي رقم 91- 01 وتحديدا نص المادة الثامنة منه حيث جاء فيها:
يمارس وزير الداخلية الصلاحيات التالية:
-         المحا فظة على النظام العام والأمن العموميين.
-         المحا فظة على الحريات العامة.
-         حالة الأشخاص والأملاك وحريات تنقلهم.
-         حركة الجمعيات باختلاف أنواعها.
-         الانتخابات.
-         التظاهرات و الاجتماعات العامة..."  
وفصلت مواد أخرى من ذات المرسوم بعض الصلاحيات فأناطت بوزير الداخلية السهر على احترام القانون وحماية الأشخاص والممتلكات وحماية المؤسسات ومراقبة المرور عبر الحدود وغيرها.
وتبعا لذلك يجوز لوزير الداخلية أن يصدر تعليماته للمدير العام للأمن و للولاة وغيرهم تمس جانبا من جوانب الضبطية بغرض السهر على تنفيذها كل فيما يتعلق باختصاصه.
وليس وزير الداخلية فقط هو من يباشر إجراءات الضبط بل وزراء آخرون كوزير الثقافة مثلا عندما يصدر قرارات لحماية الآثار والمتاحف ويترتب على تطبيقها تنظيم حريات الأفراد في مجال معين. ويباشر وزير الفلاحة أيضا إجراءات الضبط عندما يصدر إجراءات تمنع صيد نوع معين من الحوت أو تنظيم مواقيت الصيد ومكانه أيضا. كما يباشر وزير النقل إجراءات الضبط عندما يصدر قراراته بتنظيم حركة المرور ليلا. ويباشر وزير التجارة بعض الإجراءات الضبطية عندما يحظر بموجب قرار منه ممارسة التجارة على الأرصفة والشوارع العامة. وكذلك الحال بالنسبة لوزير السكن إذا بإمكانه أن يصدر من القرارات  ما ينظم أشغال البناء والعمران.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المفهوم الجديد لفكرة النظام العام وشموليته وإطلاقه نجم عنه التوسع في هيئات الضبط فيتولى كل وزير ممارسة إجراءات الضبط على مستوى قطاعه بما يحقق المقصد العام وهو المحافظة على النظام العام بالرؤية الجديدة والمفهوم الجديد الذي لا تقتصر عناصره على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة إنما مجالات كثيرة أخرى كما سبق القول.

ثانيا: على المستوى المحلي.
يمارس مهام الضبط كل من والي الولاية ورئيس المجلس الشعبي.
a.      الوالي: نصت المادة 96 من قانون الولاية على أن " الوالي مسئول عن المحافظة على النظام والأمن والسلامة والسكينة العامة " وبغرض مساعدته على القيام بمهامه في مجال الضبط وضع القانون  مصالح الأمن تحت تصرفه وهذا ما نصت عليه المادة 97 من قانون الولاية. وتزداد صلاحية الوالي سعة في الحالات الاستثنائية إذ بإمكانه تسخير تشكيلات الشرطة والدرك لضمان سلامة الأشخاص والممتلكات.
ولقد أناط قانون الولاية بالوالي توفير كل تدابير الحماية خدمة للنظام العام بمختلف عناصره. واعترف قانون البلدية بموجب المادة 81 منه للوالي بممارسة سلطة الحلول بالنسبة لجميع بلديات الولاية أو جزء منها عندما لا تقوم السلطات البلدية بذلك. وتزداد ذات الصلاحية سعة إذ تعلق الأمر بالحالات الإستعجالية.ومن أحكام الحلول الواردة في قانون البلدية نستنتج أن المشرع خرج عن مبدأ الاختصاص في أداء العمل الإداري بغرض خدمة النظام العام. فلو طبقنا القواعد العامة لتعين على رئيس المجلس الشعبي وحده القيام بما يلزم من أجل المحافظة على الأمن العام داخل حدود البلدية. غير أنه إذا لم يبادر إلى ذلك واتبعت الإجراءات المحددة قانونا، تعين على الوالي أن يحل محله فيتخذ كل الإجراءات لضمان حماية الأشخاص والممتلكات.
ب- رئيس المجلس الشعبي البلدي:  طبقا لقانون البلدية يمارس رئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره ممثلا للدولة جملة من الصلاحيات ذات العلاقة بنظام العام ورد تعدادها في المادة 75 منه إذ جاء فيها " يتولى رئيس المجلس الشعبي البلدي في إطار أحكام المادة السابقة واحتراما لحقوق المواطنين وحرياتهم على الخصوص ما يأتي: 
- المحافظة على النظام العام و سلامة الأشخاص والأملاك.
- المحافظة على حسن النظام في جميع الأماكن العمومية التي يجري فيها تجمع الأشخاص.
- المعاقبة على كل  مساس بالراحة العمومية وكل الأعمال المخلة بها.
- السهر على نظافة العمارات وسهولة السير في الشوارع والساحات والطرق العمومية.
- اتخاذ الاحتياطات والتدابير الضرورية لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها.
- القضاء على الحيوانات المؤذية والمضرة.
- السهر على النظافة للمواد الاستهلاكية المعروضة للبيع.
- السهر على احترام المقاييس والتعليمات في مجال التعمير.
ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بهذه الصلاحيات تحت سلطة الوالي وهذا مانصت عليه المادة 69 من قانون البلدية. ولقد مكن قانون البلدية رئيس المجلس الشعبي البلدي من الاستعانة بالشرطة البلدية بغرض أداء مهامه. [6] ويمكنه طلب تدخل قوات الشرطة أو الدرك المختصة إقليميا للتحكم خاصة في المسائل الأمنية.

المطلب السابع: وسائل الضبط.

اذا كان الضبط يعني مجموعة قرارات صادرة عن السلطة العامة الهدف منها تقييد حريات الأفراد بما يحقق النظام العام داخل المجتمع فان فرض هذه القيود يحتاج الى وسائل مادية وبشرية وقانونية.

أ- الوسائل المادية:
ويقصد بها الإمكانات المادية المتاحة للإدارة بغرض ممارسة مهام الضبط كالسيارات والشاحنات وعلى العموم كل آلة أو عتاد تمكن الإدارة من ممارسة مهامها.

ب- الوسيلة البشرية:
وتتمثل في أعوان الضبط المكلفين بتنفيذ القوانين والتنظيمات كرجال الدرك والشرطة العامة والشرطة البلدية.

ج- الوسائل القانونية:  
لا تتم ممارسة اجراء الضبط  من جانب الإدارة إلا وفقا لما حدده القانون وبالكيفية التي رسمها وبالضمانات التي كفلها، فرئيس الجمهورية عندما يمارس بعض الإجراءات الضبطية إنما يستند في ممارسته لهذه الصلاحية على الدستور. وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الحكومة. أما الوزراء فهم يستندون إلى النصوص التنظيمية التي تكفل لهم ممارسة بعض الإجراءات واتخاذ قرارات معينة. ويباشر الوالي إجراءات الضبط من منطلق قانون الولاية. ويباشر رئيس المجلس الشعبي البلدي ذات الإجراء من منطلق نصوص قانون البلدية على النحو السابق المشار إليه، ومهما تعددت هيئات الضبط إلا أن الوسائل القانونية يمكن حصرها فيما يلي:
1- إصدار القرارات أو لوائح الضبط: وهي عبارة عن قرارات تنظيمية تصدر عن الإدارة في شكل مراسيم أو قرارات يكون موضوعها ضبط ممارسة الحريات العامة وينجم عن مخالفتها جزاءات تحددها النصوص، وتتخذ القرارات بدورها أشكالا كثيرة منها:
 
الحظر أو المنع: وهو أعلى أشكال المساس بالحريات العامة تم اتخاذها من جانب الإدارة بهدف المحافظة على النظام العام، وعندما تفرض الإدارة على الأفراد نشاطا معينا فلا تمنع بمجرد المنع، وإنما لتحقيق مقصد عام يعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع، فمنع المرور على جسر آئل للسقوط ومنع التجول ليلا في ظروف غير عادية إنما الهدف منه حماية الأرواح.
ورجوعا مثلا للمادة 31 من القانون 01/14 المؤرخ في 19 أوت 2001 المتعلق بتنظيم حركة المرور الطرق وسلامتها وأمنها نجدها نصت على أن " يقتصر استعمال المنبهات الصوتية في حالات الضرورة لوجود خطر فوري غير أنه يمكن منع استعمالها بواسطة وضع إشارة ملائمة..." ويتعلق الأمر مثلا بمنع استعمال المنبه بالقرب من المستشفيات أو المدارس.

الترخيص: قد تشترط الإدارة وطبقا لنصوص القانون أو التنظيم على الأفراد ترخيصا معينا إن هم أرادوا ممارسة حرية معينة أو القيام بعمل معين كما لو أراد الأفراد ممارسة حق التجمع أو إقامة مسيرة فمن حق الإدارة  أن تفرض عليهم الحصول على رخصة قبل القيام بالنشاط وإلا كان عملهم مشوبا بعيب في المشروعية. كما تستطيع الإدارة أن تفرض على حامل السلاح استصدار رخصة لذلك أو أن تفرض على من أراد الدخول لمنطقة معينة الحصول على إذن من جهة محددة وعادة ما يكون ذلك في الحالات الاستثنائية. ولقد وردت في قانون حماية البيئة المؤرخ في 20 جويلية 2003 تحت رقم القانون 03-10 أن المنشآت المصنفة تخضع للتراخيص حسب أهميتها ودرجة الضرر أو الخطر فقد يصدر الترخيص من الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي. ويسبق الترخيص تحقيق تباشره جهات معينة.
وتضمن المرسوم التنفيذي رقم 98- 339 بتاريخ 4 نوفمبر 1998 المتعلق بضبط التنظيم الذي يطبق على المنشآت المصنفة ويحدد قائمتها وأنواع المنشآت ووزع الاختصاص بين أشخاص ثلاث الوزير الوالي رئيس المجلس الشعبي البلدي.

2- استخدام القوة: الأصل هو امتثال الأفراد لقرارات الإدارة وخضوعهم إليها، غير أنه وفي حالات معينة يجوز استعمال القوة لمنع نشاط معين لم يخضع منظموه للقوانين والتنظيمات كما لو أراد الأفراد إقامة مسيرة معينة ولم يقدموا طلبا للإدارة بذلك أو أنهم قدموه ورفض من جانبها لسبب أو لآخر وتعتمد الإدارة في اللجوء للقوة على إمكاناتها المادية والبشرية لصد كل نشاط يؤدي إلى المساس بالنظام العام.

المطلب الثامن: حدود سلطة الضبط الإداري.

 القاعدة العامة أن الأفراد يتمتعون بالحريات العامة التي كفلها لهم الدستور غير أنه في مواضع معينة ترد على هذه الحريات قيودا تفرضها مصلحة المجتمع. ولما كان الأصل هو التمتع بالحرية و الاستثناء هو القيد أو القيود، وجب أن تخضع هذه القيود إلى ضوابط تمنع أو تحد من التعسف في ممارستها، ويقضي الأمر عن الحديث عن حدود سلطة الضبط الإداري التمييز بين الحالة العادية والحالة الاستثنائية.

أ- الحالة العادية:
تخضع ممارسة الضبط من قبل الأجهزة التي ذكرناها إلى قيدين هما خضوع إجراءات الضبط لمبدأ المشروعية وثانيا خضوعها لرقابة القضاء: 
1- خضوع إجراءات الضبط لمبدأ المشروعية: إن كل اجراء من اجراءات الضبط ينبغي أن يكون مشروعا وحتى يكون كذلك وجب أن يتخذ من النظام العام بجميع عناصره وأبعاده مقصدا له. فحين تفرض الإدارة على الأفراد عدم الخروج في مسيرة دون رخصة فان المقصد العام هو توفير الأمن العام حتى لا يبادر الأفراد وبطريقة فوضوية للخروج في الشوارع العامة بما في ذلك من خطر قد يهدد الأرواح والممتلكات. وحين تفرض عليهم عدم استعمال مكبرات الأصوات ليلا فان القصد هو توفير السكينة العامة. وحين تراقب الإدارة بعض المواد الاستهلاكية أو تمنع عرضها فذلك بغرض حماية الأفراد من مخاطر الأمراض.
وعليه فان القيد العام الذي يحكم الضبط الإداري هو أن كل إجراء يترتب عليه المساس بحريات الأفراد ينبغي تبريره وإلا كانت الإدارة في وضعية لتجاوز السلطة. كما أن هذه الضوابط التي تفرضها الإدارة على الأفراد ينبغي أن تكون واحدة بالنسبة للجميع وأن كل خروج عن مبدأ المساواة أمام القانون يعرض الإدارة للمسؤولية كما سبق القول فالقانون واحد أن يحمي أو يعاقب أو يكره كما جاء في المادة 29 من الدستور.

2- خضوع إجراءات الضبط للرقابة القضائية[7]  الأصل أن جميع أعمال ونشاطات الإدارة تكون عرضة للرقابة القضائية إذا ثبت التجاوز أو الخرق، للقوانين والتنظيمات ولا يتعلق الأمر بإجراءات الضبط فقط بل وبأعمال أخرى كقرارات التأديب والترقية وغيرها.
فعندما يثبت للجهة القضائية أن الإدارة تجاوزت الحد وأن مقتضيات النظام العام غير متوفرة في القضية المعروضة عليها جاز لها إلغاء كل قرار في هذا المجال وإذا اقتضى الأمر تعويض الطرف المضرور. فالرقابة القضائية على هذا النحو هي ضمانة أخرى تضاف للقيد العام حتى لا تسيء الإدارة استعمال سلطتها.
ولقد عهد الدستور الجزائري لسنة 1996 للسلطة القضائية حماية الحريات العامة والحقوق الأساسية و هذا بموجب المادة 138 منه. كما اعترفت المادة 143 للقضاء بالنظر في قرارات السلطات الإدارية. ووعدت المادة 22 بمعاقبة القانون لكل متعسف في استعمال السلطة.  ويمكن للمدعي رفع دعواه أمام القضاء المختص (الإداري) طالبا الإلغاء فقط أو الإلغاء مع التعويض أيا كانت الجهة المصدرة للقرار سواء جهة مركزية أو ادارة محلية.
وسبق لنا القول أن المادة 5 من المرسوم 88- 131 المذكور والمتعلق بعلاقة الإدارة مع المواطن نصت أنه يترتب على كل تعسف في ممارسة السلطة تعويض وفق التشريع المعمول به وهو ما تكرر في المادة 39 أيضا من نفس القانون.
ومن التطبيقات القضائية لإجراءات الضبط البلدي القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا بتاريخ 20/11/1976 قضية السيد كماش وأكسوس ضد بلدية بودواو. وتتلخص وقائعها أنه على أثر مداولة المجلس الشعبي البلدي لبلدية بودواو أصدر رئيس المجلس قرار يحضر فيه بيع المشروبات الكحولية على مستوى تراب البلدية 30/09/1975. ومما جاء فيه في حيثيات هذا القرار[8] ما يلي:
وحيث أن رئيس المجلس الشعبي البلدي مكلف تحت مراقبة  المجلس الشعبي البلدي وإشراف السلطة العليا لممارسة سلطات الضبط المخولة له قانونيا. وان هدف الضبط الإداري البلدي يتمثل في حماية حسن النظام العام والأمن والصحة العامة. وبما أن رئيس المجلس الشعبي البلدي غير ملزم بتسبيب  قراراته  يجب أن تكون هذه الأخيرة قد اتخذت بناءا على أسباب كافية من جهة ولكن من جهة أخرى ومهما كانت الأسباب والدواعي، فان غلق بيع المشروبات الكحولية بصفة نهائية مثل ما أمرت به سلطات البلدية يشكل عقوبة لا يحق إلا للمحكمة اتخاذها.  لهذا فان رئيس المجلس الشعبي البلدي غير مختص باتخاذ مثل هذا القرار. وبالنظر كذلك أن المداولة المؤرخة في 10/09/1975 والتي أرساها قرار المجلس الشعبي البلدي ب 17 صوت منع بيع واستهلاك المشروبات الكحولية على مستوى تراب البلدية باطلة بحكم القانون وبالنتيجة ألغى المجلس الأعلى القرار المطعون فيه ولقد صدر قرار عن نفس الغرفة مماثل يتعلق بقرار إداري ضبطي صادر عن بلدية عين البنيان يقضي هو الآخر بمنع استهلاك وبيع المشروبات الكحولية وتم تسبب القرار أن حالة السكر صارت تخل بالنظام العام وشكلت حالة من عدم الأمان لدى أفراد المنطقة. وبعد إحالة الدعوى إليها قررت الغرفة الإدارية إلغاء القرار الإداري المطعون فيه.[9]                
ولقد حمل القضاء الإداري في الجزائر الإدارة المسؤولية في حال إخلالها باتخاذ إجراءات الضبط ويتجلى ذلك من خلال القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 06 أفريل 1973 قضية بن ميميش ضد رئيس المجلس الشعبي لبلدية الخروب. وتتلخص وقائع القضية أن المدعي تعرض مشغله الى حريق نتيجة الألعاب النارية المستعملة في عيد المولد النبوي. وقد اعترف القرار بمسؤولية الإدارة على أساس انتفاء تدابير الضبط البلدي المتعلق بالألعاب النارية.[10] وهو ذات المنحى الذي ذهبت إليه  ذات الغرفة في قرارها الصادر بتاريخ 24-12-1977 قضية والي قسنطينة ضد تناج فاطمة اذ صرحت الغرفة بالمسؤولية المشتركة والتضامنية لكل من البلدية والولاية عن الواقعة التي أدت بوفاة الضحية بولدراك أحسن رغم أن البلدية أخطرت الوالي بأن العمارة المتنازع عليها يجب أن تهجر وتغلق أبوابها، غير أن الولاية لم تبادر الى اتخاذ اجراءات الضبط لحماية الأشخاص من انهيار العمارة. وكانت النتيجة تحميلهما (البلدية والولاية) المسؤولية بدفع مبلغ التعويض. ومن تطبيقات مجلس الدولة الجزائري القرار الصادر عنه بتاريخ 23/09/2002 الغرفة الأولى ملف رقم 006195 قضية والي ولاية الجزائر ضد ب ف مصطفى اذ ذهب مجلس الدولة الى القول أنه يمكن للوالي الأمر بغلق اداري للمخمرة أو المطعم لمدة لا تتجاوز 6 أشهر  على اثر مخالفة القوانين المتعلقة بهذه المؤسسات أو بغرض الحفاظ على نظام وصحة السكان وحفاظا على الإدارة العامة.[11] وبالتالي فإن الغلق لإشعار آخر ودون تحديد المدة المذكورة فيه مخالفة للقانون. وبالنتيجة ألغى مجلس الدولة القرار المطعون في.[12]. 
واعترف مجلس الدولة الجزائري في قراره الصادر عن الغرفة الثالثة تحت رقم 11086 بتاريخ 22. 07.2003 قضية ب.ف ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي وهران[13] للبلدية بحق إقامة جدار في ملكية الغير بهدف المحافظة على أمن وسلامة المواطنين إذ ذهب المجلس إلى القول: " إن البلدية كانت محقة لاتخاذ كل التدابير لحماية الأشخاص والأملاك وان بناء الجدار من طرف البلدية يعتبر تدبيرا مفيدا وضروريا لإعفائها من مسؤولية وقوع ضرر محتمل ومتوقع نظرا لقدم البناية...".
وأقر المجلس بأن بناء الجدار المتنازع بشأنه لا يمثل خطأ من جانب البلدية يحملها المسؤولية. ورفض مجلس الدولة إصدار القرار بهدم الجدار لأن مثل هذا القرار يؤدي الى المساس بأمن المواطنين. وبتقديرنا يعد هذا القرار في بين القرارات التاريخية الصادرة عن مجلس الدولة الجزائري في مجال الضبط رغم حداثة نشأته.

ب- الحالة الاستثنائية:
قد يكون المجتمع عرضة لظروف استثنائية مثل الحرب والكوارث الطبيعية والأوبئة وغيرها مما يفرض الاعتراف لجهة الإدارة بسلطات أوسع للتحكم في الوسع الاستثنائي غير أن الإشكالية التي أثيرت بهذا الصدد هل ينبغي تقييد السلطة التنفيذية بقانون خاص يحكم نشاطها في الحالات الاستثنائية وتطبيق النصوص الخاصة؟[14]
وتقتضي الطريقة الثانية أن تلجأ السلطة التنفيذية للبرلمان لاستصدار قانون خاص يحكم عملها ونشاطها في الظروف الاستثنائية. وقد عاب البعض أيضا على هذه الطريقة كون الظروف الاستثنائية قد تحل بصورة مفاجئة مما قد يعيق نشاط السلطة التنفيذية ويغل يدها عن مواجهة الوضع. [15] كما أننا نرى أن عرض الأمر على البرلمان من شأنه أن يبعث بطئا في العملية التشريعية مما يجعل السلطة التنفيذية في دائرة الترقب إلى غاية صدور النص ثم تتحرك لمواجهة الوضع. 


[1] الدكتور أحمد محيو، محاضرات في المؤسسات الإدارية، ص 399 الدكتور ماهر جبر نصر، المرجع السابق ص 356 الدكتور ثروت 198 بدوي، المرجع السابق، ص 365.
الدكتور عبد الفتاح أبو اليل، المرجع السابق ص 223 الدكتور محمد السناري، المرجع السابق، ص 365 الدكتور ابراهيم محمد علي المرجع السابق، ص 9.
[2] سنفصل هذه المسألة عند التطرق لهيئات الضبط.

[3] الدكتور شاب توما منصور، المرجع السابق، ص 169.

[4] لتفصيل أكثر راجع الأستاذ دايم بلقاسم، الحماية القانونية للسكينة العامة، مجلة العلوم القانونية و الإدارية، جامعة تلمسان، العدد 2، 2004، ص 99 وما بعدها.
[5] - راجع ما قلناه سابقا بهذا الصدد.    


[6] أنظر المرسوم التنفيذي رقم 94- 87 المؤرخ في 10 أفريل 94 المتضمن القانون الأساسي لسلك الشرطة البلدية.
[7] - لتفصيل أكثر:  
راجع: قروف جمال، الرقابة القضائية على أعمال الضبط الإداري، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة عنابة، 2006، ص 1 وما بعدها.

[8] أشار لهذا القرار عمور سيلامي، الضبط الإداري البلدي في الجزائر، رسالة ماجستير، معهد العلوم القانونية و الإدارية، جامعة الجزائر، 1988، ص 196.

[9] أشار اليه أيضا عمور سيلامي، نفس الرسالة، ص 200.  




[10] أشار اليه عمور سيلامي، الرسالة السابقة، ص 209.
[11] أشار لهذا االقرار عمور سيلامي، الرسالة السابقة ص 212.
[12] أنظر مجلة مجلس الدولة، العدد 3، ص 96.
[13] أنظر مجلة مجلس الدولة، العدد 5، ص 205. 
[14] الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الإداري،ص 392، الدكتور شاب توما، المرجع السابق، ص 177.

[15] الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، المرجع نفسه، ص 394. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادارة المنازعات الادراية

ادارة المنازعات الادراية تعتبر المنازعات(سواء الفردية أو الجماعية)اليوم داخل المؤسسات العمومية اللتي تقع بين المنظمات العمالية وأرباب ال...