close
عنوان الصورة

الجمعة، 8 مارس 2013

المرفق العام


محاضرات الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
قسم القانون العام
الأكاديمية العربية المفتوحة الدانمارك

مفهوم المرفق العام : فكرة المرفق العام علاقة وثيقة بالقانون الإداري كفرع من فروع القانون. حيث استندت مدرسة المرفق العام لهذه الفكرة القانونية واعتبرتها أساسا لتحديد نطاق القانون الإداري و تطبيق أحكامه.
كما اعتمد عليها أيضا لرسم مجال اختصاص كل من القضاء العادي والقضاء الإداري. واعتبرت مدرسة المرفق العام الدولة بمثابة جسم خلاياه المرافق العامة. ويعتبر المرفق العام أكثر المفاهيم القانونية غموضا وإثارة للجدل. فمن الفقهاء من ارتكز على معيار الوظيفي. ومنهم من استند في تعريف المرفق العام الى معيار العضوي ومنهم من مزج بين الأول والثاني.
المعنى العضوي: يقصد بالمرفق العام تبعا لهذا المعنى كل منظمة عامة تنشئها الدولة وتخضع لإدارتها بقصد تحقيق حاجات الجمهور. ومن هنا جاز اعتبار كل من مرفق القضاء والأمن والدفاع وغيرها مرافق عامة لأنها منظمات أنشأتها الدولة بغرض أداء خدمة للجمهور.
 المعنى الوظيفي أو الموضوعي:  يقصد بالمرفق العام بالنظر للمعيار الموضوعي كل نشاط يباشره شخص عام بقصد إشباع حاجة عامة ومن ثم تخرج عن نطاق هذا التعريف سائر النشاطات الخاصة كالمؤسسة الخاصة كما يخرج عنه المشروعات التي تستهدف فقط تحقيق الربح.
تطور وظيفة الدولة وآثارها على مفهوم المرفق العام :
عند ظهور فكرة المرفق العام خلال القرن التاسع وبداية القرن العشرين لم تكن على درجة من الإبهام والغموض كالذي نراه الآن. خاصة وأن وظائف الدولة في تلك المرحلة كانت واضحة ودقيقة ولأن المرافق العامة في بداية الأمر كانت تتسم بارتباطها بمظهر سيادة الدولة الأمر الذي جعل الفقهاء يجمعون على خضوعها للقانون العام. غير أن تطور وظيفة الدولة طرح إشكالا قانونيا في غاية من العمق.
هل يصح اعتبار المرافق الاقتصادية من قبيل المرافق العامة ومن ثم نخضعها هي الأخرى لقواعد القانون العام، أم أنها تخرج أصلا عن عداد المرافق العامة؟
في الحقيقة ليس من السهل الفصل في هذه الإشكالية بعيدا عن فكر وخلفية كل فقيه بخصوص الوظائف الأساسية للدولة. وإذا كانت المرافق ذات الطابع الإداري لم تطرح من حيث الأصل إشكالية بشأن خضوعها للقانون العام، فان الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمرافق الاقتصادية خاصة وأنها تخضع في نشاطها لكثير من قواعد القانون الخاص.
ولقد سئل الفقيه ديجي عن النشاطات التي يمكن وصفها بالمرفق العام فرد قائلا:
" أنه لا يمكن إعطاء جواب ثابت لأن هناك شيء ما يتغير بصورة أساسية كل ما يمكن قوله هو أنه بقدر نمو المدنية يزداد عدد النشاطات القابلة لأن تستخدم كأساس للمرافق وينمو بالتالي عدد المرافق". ومشابه لهذا القول ما ذهب اليه الدكتور أحمد محيو " ان مفهوم المرفق العام لا يمكن أن يكون مفهوما قانونيا مجردا أو حياديا وليس له معنى الا في ضوء محتواه والغايات الاقتصادية والاجتماعية التي أسندت له والتي يجب تحديدها..1.. ويعني ذلك أن لهذا المفهوم علاقة بكل مسألة من مسائل القانون الإداري، فالقرار الإداري هو الذي يتصل موضوعه بالمرفق العام. وتكون المسؤولية إدارية إذا كانت ناتجة عن مرفق عام[1]. والعقد الإداري هو الذي يبرمه مرفق عام [2]. والنزاع الإداري هو الذي يكون أحد أطرافه شخص من أشخاص القانون العام وهكذا. ولقد خص الدكتور سليمان محمد الطماوي أهمية فكرة المرفق العام على الصعيد القانوني قائلا  " إن نظرية المرفق العام تؤدي دورها كاملا ومن ينكرها فإنما يتنكر لكافة قواعد القانون العام والتي بنيت على أساس الأحكام الضابطة لسير المرافق العامة ".
  
المطلب الثالث: عناصر المرفق العام.

1- المرفق العام تنشأه الدولة:
إن كل مرفق عام تحدثه الدولة. ويقصد بذلك أن الدولة هي التي تقدر اعتبار نشاط ما مرفقا عاما وتقرر إخضاعه للمرافق العامة بناءا على قانون معين. وليس من اللازم أن يكون كل مشروع تحدثه الدولة أن تتولى هي مباشرة إدارته، فكثيرا ما تعهد الإدارة إلى الأفراد أو شركة خاصة بأداء خدمة عامة تحت إشرافها وهو الوضع الذي يجسده نظام الامتياز أو الشركات المختلطة وسنفصل في هذا الأمر عند دراستنا لطرق تسير المرفق.
ويفترض في المرفق العام الذي تتولى الدولة احداثه أن يكون على قدر من الأهمية والا لكان قد ترك الأفراد. وفي هذا المعنى قدم الفقيه ديجي وصفا للمرفق العام باعتباره نشاطا بأنه: أنواع النشاط أو الخدمات التي يقدر الرأي العام في وقت من الأوقات وفي دولة معينة أن على الحكام القيام بها نظرا لأهمية هذه الخدمات للجماعة. ولعدم إمكان تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الحكام.[3]

2- هدف المرفق هو تحقيق المصلحة العامة:
عرفنا سابقا أن المرفق العام مشروع يستهدف تحقيق مصلحة عامة. وهذا العنصر هو أكثر العناصر إثارة للجدل من جانب الفقهاء.
ذلك أن المصلحة العامة هي هدف كل وظيفة إدارية، بل وحتى المؤسسات التي تسيرها الدولة والتي تكون غايتها تجارية بحتة كالمؤسسات الإقتصادية انما تسعى الى تحقيق المصلحة العامة.
كما أن المصلحة العامة ليست حكرا على الإدارة فمن الوظائف التي يمارسها الأشخاص العاديون ما تتصل كذلك بالمصلحة العامة كخدمات البناء والنقل.
ولقد اقترح الفقه معيارا للخروج من هذه الإشكالية فإذا كانت المصلحة العامة تمثل الغاية الأولى من النشاط الذي يقوم به الشخص القانوني وتوفرت الأركان الأخرى يتكون المرفق العام. أما إذا كانت المصلحة العامة تمثل غاية ثانوية لهذا النشاط فان الوظيفة لا ترتقي إلى منزلة المرفق العام.
يقول  René Chapusريني شابي في هذا الصدد: (إذا كانت الوظيفة تمارس أساسا لصالح الغير فإنها تمثل مرفق عاما. وإذا كانت تمارس أساسا للصالح الذاتي للمصلحة التي تتبعها فإنها تمثل وظيفة لصالح النفع الخاص.[4]
ويترتب على تمييز المرفق بهذا الوصف أن كل مرفق عام ينبغي أن يخضع الى مبدأ المجانية. ولا يقصد بذلك عدم وجود مقابل بل القصد أن فرض مقابل ما ليس هو الغاية المقصودة من خلال القيام بالنشاط. أي أن المجانية لا تفيد هنا انعدام المقابل انعداما تاما، بل تفيد فقط أنه ليس من الضروري أن يكون المقابل مساويا للتكلفة المالية للمرفق العام. فعندما يلزم الطالب في الجامعة مثلا بدفع رسوم رمزية كل سنة جامعية فان ما قدمه لا يغطي أبدا الخدمات التي ينتفع بها من مرفق التعليم العالي.
  
3- خضوع المرفق لسلطة الدولة:
سبقت الإشارة أنه ليس كل مشروع يهدف الى تحقيق النفع العام يعد مرفقا عاما، لأن هناك من المشروعات الخاصة ما يعمل على تحقيق النفع العام كالمدارس والجامعات الخاصة والجمعيات.
ومن هنا تعين أن يتصف المرفق العام بصفة أخرى تميزه عن غيره وهي خضوعه للدولة. وهو ما يترتب عليه أن لهذه الأخيرة وهيئاتها ممارسة جملة من السلطات على المرفق سواء من حيث تنظيمه وهيكلته أو من حيث نشاطه. فالدولة هي من تنشئ المرفق، وهي من تحدد له نشاطه وقواعده تسييره وعلاقته بجمهور المنتفعين، ومن حيث بيان سبل الانتفاع ورسومه (السلطة على نشاط المرفق).
والدولة هي من تضع التنظيم الخاص بالمرفق وتبين أقسامه وفروعه وتعين موظفيه وتمارس الرقابة على النشاط وعلى الأشخاص (السلطة على المرفق كهيكل).
4- خضوع المرفق لنظام قانوني متميز:
إن المشروع الذي رصد لتحقيق مصلحة عامة وأنشأته الدولة و تولت هي إدارته مباشرة أو عهدت به إلى أحد الأفراد أو الشركات انما يحكمه نظام قانوني خاص. وما أجمع عليه الفقهاء أن هذا النظام يختلف من مرفق إلى آخر. حسب طبيعته [5] غير أن هناك قواعد مشتركة تحكم المرافق جميعا سنتولى توضيحها عند دراسة النظام القانوني للمرافق العامة. ويجدر التنبيه أن بعض الفقهاء اعتبر خضوع المرفق لنظام قانوني متميز بمثابة الأثر المترتب على كونه مرفق عاما فهو إذن نتيجة ولا يمكن اعتباره عنصرا من عناصر المرفق العام.

              المطلب الرابع: أنواع المرافق العامة.

يمكن تقسيم المرافق العامة من زوايا متعددة سواء من حيث طبيعة نشاطها أو السلطة التي تنشئها أو لاختلاف دائرة نشاطها نستعرض هذه الأنواع فيما يلي:

أولا: تقسيم المرافق من حيث طبيعة أو نوعية النشاط.
من حيث هذه الزاوية يمكن تقسيم المرافق إلى مرافق إدارية وأخرى اقتصادية ومرافق ثقافية وأخرى مهنية.

1- المرافق الإدارية: وهي المرافق التي تؤدي الخدمات المرفقية التقليدية وقد لازمت الدولة منذ زمن طويل وعلى رأسها مرفق الدفاع والأمن والقضاء ثم مرفق الصحة والتعليم. وهذه المرافق عادة ما تتسم بارتباطها بالجانب السيادي للدولة الأمر الذي يفرض قيامها بهذه النشاطات وأن لا تعهد بها الأفراد بما في ذلك من خطورة كبيرة.
ورغم قدم هذا النوع من المرافق إلا أن الفقه لم يهتد لوضع معيار دقيق يمكن توظيفه والاعتماد عليه لمعرفة هذا النوع من المرافق على الأقل. وتكمن صعوبة وضع معيار في اختلاف نشاطات المرافق ذات الطابع الإداري. لذلك ذهب بعض الفقهاء إلى القول أن المرافق الإدارية هي مجموعة المرافق التي لا تدخل في عداد بقية أنواع المرافق الأخرى وهو ما أطلق عليه بالتحديد السلبي للمرافق.
فهذا الفقيه ديلوبادير يعرفها، بأنها " تلك المرافق التي لا تعتبر مرافق صناعية أو تجارية أو مهنية " وعرفها الدكتور فؤاد مهنا بأنها " المرافق التي يكون نشاطها إداريا وتخضع في تنظيمها وفي مباشرة نشاطها للقانون الإداري وتستخدم وسائل القانون العام[6].
والمرافق الإدارية في غالبيتها تتميز بأن الأفراد لا يستهويهم نشاطها فلا يتصور أن يبادر الأفراد إلى إنشاء مرفق للأمن أو القضاء فهذا النوع من النشاط دون غيره يجب أن يلحق بالدولة ويدعم ماليا من قبلها ويسير أيضا من جانبها بصفة مباشرة. ولا يمكن لدولة أن ترفع يدها عن هذا النوع من النشاطات لأنها تدخل ضمن وظيفتها الطبيعية أو واجباتها تجاه الأفراد. ولقد أحسن أستاذنا الدكتور محمد سليمان الطماوي الوصف عندما قال إن هذا النوع من المرافق شيد على أساسها نظريات القانون الإداري الحديث[7]. 
وهو أمر أكدنا عليه أكثر من مرة ذلك أن الدارس للقانون الإداري في كل محور من محاوره كثيرا ما تصادفه فكرة المرفق العام ذو الطابع الإداري سواء عند التطرق للقرار الإداري أو العقد الإداري أو المنازعة الإدارية أو المال العام أو سلطات الإدارة وغيرها. وتتميز هذه المرافق عن غيرها أيضا أنها تخضع من حيث الأصل للقانون العام في سائر نشاطاتها لأنها تستخدم وسيلة القانون العام. وهو ما اتضح جليا من التعريف المذكورة للدكتور فؤاد مهنا.
واذا كان من الثابت فقها وقضاء أن المرفق الإداري يخضع على سبيل الاستثناء لقواعد القانون الخاص، إلا أن هناك من أنصار مدرسة المرفق العام من اعتبر ذلك غير منسجم مع قواعد القانون العام ذاته[8].

2- المرافق الاقتصادية: وهي مرافق حديثة النشأة نسبيا تسبب فيها التطور الإقتصادي وظهور الفكر الاشتراكي مما دفع بالدولة إلى ممارسة نشاطات كانت في أصلها معقودة للأفراد،و مثال هذا النوع من المرافق المؤسسات الصناعية والمؤسسات التجارية. وإذا كان الفقه قد أجمع كما رأينا على إخضاع المرافق الإدارية لقواعد القانون العام، فأن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمرافق الاقتصادية خاصة وقد ثبت ميدانيا أن المرافق الإدارية يتسم عملها بالبطئ وإجراءاتها معقدة وتكاليفها باهظة، وهذه الآليات لا تساعد المرافق الاقتصادية التي تحتاج إلى أن تحرر أكثر وتخضع لإجراءات يسيرة يفرضها مبدأ المنافسة.
إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المرافق الاقتصادية إن خضعت لآليات القانون العام جملة، فإنها ستلقى منافسة شديدة من جانب المؤسسات الخاصة. ولربما يؤدي إلى زوالها مع مرور الوقت. لذلك اتجه الرأي الحديث في القانون الإداري وقضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى تحرير المرافق الصناعية من قيود القانون العام.[9].
ولقد أثار ظهور المرافق الاقتصادية إشكالا على المستوى القانوني تمثل في إيجاد معيار فاصل بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية. نوجز هذا الخلاف فيما يلي:[10] 

- الرأي الأول: معيار القانون الواجب التطبيق أو النظام القانوني الذي يخضع له المرفق:.
وذهب مناصروه إلى القول أن ضابط التمييز بين المرافق الاقتصادية والمرافق الإدارية يكمن في أن النوع  الأول من المرافق يخضع للقانون الخاص بحكم ممارسة لنشاط مماثل للذي يقوم به الأفراد. خلافا للنوع الثاني الذي يخضع كليا للقانون العام. ويؤخذ على هذا الرأي أنه يصادر على المطلوب فالخضوع لقواعد القانون العام أو القانون الخاص إنما هو نتيجة طبيعية ترتبت على الاعتراف بالطابع الإداري والإقتصادي للمرفق. ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليه.

-         الرأي الثاني: معيار الغاية.
رأى جانب آخر من الفقهاء أن أداة التمييز بين النوعين من المرافق الاقتصادية والإدارية تكمن في أن المرافق الاقتصادية تبتغي في نشاطها تحقيق الربح خلافا للمرافق الإدارية.
ويؤخذ أيضا على هذا الرأي أن تحقيق الربح من عدمه هو نتيجة مترتبة على طبيعته. كما أن المرافق الإدارية تتقاضى رسوما لقاء قيامها بخدمة ما للجمهور.



- الرأي الثالث: معيار شكل المشروع أو ومظهره الخارجي.
ذهب رأي في الفقه إلى التركيز على شكل المشروع أو مظهره الخارجي. فيعد المرفق اقتصاديا إذا أدير عن طريق شركة. إما إذا تولت السلطة العامة إدارته فهو على هذا النحو مرفق إداري. غير أن هذا الرأي تعرض للنقد مفاده أنه لاشيء يمنع السلطة العامة من أن تتولى أيضا إدارة المرافق الاقتصادية.[11]

- الرأي الرابع: معيار طبيعة النشاط.
وهو أكثر المعايير الفقهية شيوعا بالنظر لدقته. ويقوم هذا المعيار على أساس طبيعة النشاط الذي يزاوله المرفق. فإذا كان هذا المرفق يمارس نشاطا يعتبره القانون تجاريا فيما لو قام به الأفراد عد المرفق على هذا النحو تجاريا. ولقد تبنى هذا الرأي كبار فقهاء القانون الإداري. [12] ونحن بدورنا نعتقد أنه معيار سليم خاصة وقد سلط الضوء على ضابط يمكن الاعتماد عليه للتمييز بين النوعين من المرافق. وإذا كان  الدكتور محمد أنس قاسم اعتبر أنه في المرافق الإدارية  الوضع الغالب الإدارة هي من تديرالنشاط خلافا للمرافق الاقتصادية يعهد بالنشاط لأحد أشخاص القانون الخاص [13].

فوائد التفريق بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية:
إن فوائد التفرقة بين المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية كثيرة ومتنوعة يمكن حصرها في جانبين أحدهما يتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له المرفق والثاني يتعلق بالجهة القضائية صاحبة الاختصاص بالنظر في النزاع. نوضح هذا الأمر فيمايلي:   

1- من حيث النظام القانوني الذي يخضع له المرفق:
إن الدارس للقانون الجزائري الخاص بالمرافق العامة يلاحظ دون شك صور الاختلاف في مجال النصوص بين المرافق العامة ذات الطابع الإداري والمرافق العامة ذات الطابع الإقتصادي. ولعل هذا الاختلاف يتضح أكثر عندما نستعرض أهم المراحل التشريعية التي مرت بما المرافق بنوعيها الإدارية والاقتصادية.

أ- المرحلة الانتقالية 62 إلى غاية جوان 66: لقد تعارض غداة الاستقلال تياران حول طبيعة ومدى الإصلاحات التي يتطلبها عالم المؤسسات العامة. فطالب اتجاه بضرورة الإبقاء على النظام الفرنسي بما يتسم به من دقة ويترتب على هذا انقسام عالم الشغل إلى قسمين: قسم يحكمه قانون الوظيفة العامة وآخر يحكمه قانون العمل.
وطالب اتجاه آخر بمقاطعة التشريع الفرنسي كلية وإيجاد نظام آخر يتماشى وفلسفة الدولة المستقلة ويعزز مبدأ السيادة. ولقد حسم القانون 62- 157 الصادر في 31 ديسمبر 1962 الأمر فقضى بالمحافظة على التشريع الفرنسي إلا ما كان منه يتنافى والسيادة الوطنية. أي ببساطة العمل بمقتضى قانون الوظيفة العامة وقانون العمل والتمييز بين الموظفين والأجراء.
غير أن لهذا الموقف ما يبرره حيث أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كانت في غاية من التدهور ولم يكن  بإمكان الدولة عمليا الاستغناء كلية على التشريع الفرنسي كأداة تنظيم مختلف المؤسسات والقطاعات. فضلا على أن عملية الاستغناء الكلي عن التشريع الفرنسي كانت تحتم اقتراح تشريع بديل يحكم شؤون الدولة في شتى نشاطاتها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية.
وقامت الحكومة الجزائرية في شهر سبتمبر 1965 بتشكيل لجنة عليا ضمنت ممثلين عن وزارة المالية والداخلية وذلك بغرض وضع قانون أساسي للوظيفة العامة يحكم المؤسسات الإدارية ذات الطابع الإداري. وقد تم فعلا إعداد مشروع وعرض في جانفي 1966 على مختلف الإدارات والوزارات وتمت مناقشة على مستوى مجلس الثورة ثم صدر في جوان 1966.
ولقد تميزت هذه المرحلة بالتباين والاختلاف المحسوس بين الأنظمة المطبقة على المؤسسات الإدارية والاقتصادية سواء في مجال الأجور أو الترقية أو الحماية الاجتماعية أو التقاعد وغيرها. الأمر الذي نتج عنه حالة من عدم الاستقرار الوظيفي وانتقال اليد العاملة من القطاع الإداري للقطاع الإقتصادي بحثا عن أجر أرفع وامتياز أفضل.
وقد سبب هذا الوضع ضررا بالنسبة للدولة. وهذا ما يتضح جليا من الفقرة الواردة في بيان الأسباب لقانون الوظيفة العامة حيث جاء فيها:
"... وبناء عليه فان وضعية الموظفين تتميز حاليا بمظهر مزدوج نتيجة عدم الاستقرار الحقوقي وعدم الاستقرار في الوظيفة من جهة أخرى فالموظفون يبحثون دائما عن الوضعية التي تدرأ عليهم بأكثر من الفوائد...". وجاء في فقرة أخرى:
" وتثبت التجربة مدى الضرر الذي يلحق سلطة الدولة وفي نفس الوقت بالأموال العمومية من جراء ترك تباين محسوس قائم بين النظم الخاصة بالقوانين الأساسية والمرتبات والتقاعد والفوائد الاجتماعية للموظفين التابعين لطبقتين من المصالح العمومية وان إعلان المزايدات بشأن الفوائد المالية التي تجري حاليا ضد الإدارات هي التي سببت في أكبر جزء من عدم الاستقرار الحقوقي وعدم الاستقرار الوظيفي اللذين تعانيهما الوظيفة العمومية منذ الاستقلال...".
وكان لابد لهذا الوضع من تغيير خاصة أمام تطور وظيفة الدولة لتمس المجالين الإداري والإقتصادي وتزايد عدد العاملين بالقطاع العام مما فرض ضرورة إعادة النظر في النسق القانوني المطبق في كل من المؤسسات الإدارية والاقتصادية.

ب- مرحلة صدور القانون الأساسي للوظيفة العامة 1966:  لقد صدر القانون الأساسي للوظيفة العامة في 2 جوان 1966 وجاء ليحد من ظاهرة التباين المحسوس في عالم الشغل بين طبقتين من مصالح العمومية (القطاع الإداري والقطاع الإقتصادي). والشيء الجدير بالذكر بخصوص هذا النص أنه لم يستبعد العاملين بالمؤسسات الصناعية والتجارية من مجال تطبيقه إذ ورد في بيان الأسباب ما يلي: " إذا ظهر أن إخضاع رجال القضاء وأفراد الجيش الوطني الشعبي للقانون الأساسي للوظيفة العامة غير مرغوب فيه للاعتبارات المتقدمة  فأن الأمر لا يكون كذلك بالنسبة للمؤسسات والهيئات العمومية..." ومن الفقرة المذكورة نستنتج مدى روح التوحيد الذي يهدف إليه هذا الأمر. ثم جاءت أحكام المرسوم رقم 66- 134 لتقرر توسيع سريان قانون الوظيفة العامة على المؤسسات الصناعية والتجارية ضمن شروط تحدد بمرسوم بعد أخذ رأي لجنة كانت تتكون وقتها من الوزير المكلف بالوظيفة العامة ووزير المالية ووزير الوزارة الوصية أو ممثلين عنهم. غير أن المرسوم الموعود به لم يصدر. وبالتالي لا يمكن اعتبار العاملين بالمؤسسات الصناعية والتجارية موظفين لأن توسيع تطبيق قانون الوظيفة العامة علق على مرسوم لم يصدر وهذا معناه ببساطة استمرارية وجود تفرقة في القواعد المطبقة داخل المؤسسات الإدارية والمؤسسات الاقتصادية.
ويمكن إرجاع أسباب فشل نظام الوحدة بين القطاعين إلى مايلي:
أ- إن محاولة التوحيد كانت مبينة على تراث استعماري لا يلائم في طبيعته وقواعده فلسفة الدولة المستقلة ذات التوجه الاشتراكي.
ب- إن محاولة التوحيد هذه لقيت انتقادا من جانب النقابيين.
ج- إن المرسوم الموعود به لم يصدر وهو ما ترك التباين واضحا بين القطاعين ازدادت حدته يوما بعد يوم. 

- مرحلة التسيير الاشتراكي و العامل المسير 1971:
في السادس عشر من شهر نوفمبر 1971 صدر الأمر رقم 71-74 المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات وليصبح بعد صدوره العامل منتجا وميسرا وقررت مادته الثامنة إضفاء صفة العامل على كل من يعيش من حاصل عمله اليدوي أو الفكري. وأقرت نصوص أخرى مبدأ المساواة بين العمال فيما يتعلق بالحقوق والواجبات سيما في مجال الأجور والامتيازات. ويتضح ذلك جليا من ديباجة الأمر المذكور والتي جاء فيها " ومن الضروري أن تطبق هذه الحقوق على مجموع العمال بدون تمييز كما أنه من اللازم أن تلغى الأوضاع الممتازة في أي فرع من الفروع وتزول القطاعات غير المحظوظة " وجاء في فقرة أخرى ما يلي"....وثمة جدول سلمي للأجور سيتم وضعه ليطبق على مجموع التراب الوطني... وذلك لكي تصبح الأجور المدفوعة عن نفس العمل ونفس الاختصاص منسجمة في مجموع التراب الوطني...".
وإذا وقفنا قليلا عند المادة الثامنة أعلاه نجد أن مفهومها جاء واسعا ليشمل عمال المؤسسات الإدارية طالما أنهم يعيشون من حاصل عملهم أيضا. وبالتالي حق لنا القول أن هناك نظام واحد يسري على كل العاملين لدى الدولة أيا كان قطاع النشاط. غير أننا ما نلبث أن نغير رأينا وذلك بمجرد قراءة عابرة للمادة الأولى من أحكام الأمر المذكور والتي رسمت حدود ومجالات تطبيقه فذكرت المؤسسات ذات الطابع الإقتصادي وأهملت المؤسسات ذات الطابع الإداري. 
وهذا ببساطة معناه الرجوع الى فكرة التمييز بين الموظف والأجير التي أقامها النظام الفرنسي والحكم باستمراريتها والا فبماذا يمكن تفسير عدم سريان الأمر أعلاه على المؤسسات الإدارية. وغني عن البيان أن أحكام الأمر المذكور جاءت لترسخ مبدأ أساسي ألا وهو اضفاء صفة المسير على العامل.ودمج العمال في مختلف أوجه نشاط المؤسسة وذلك عبر هيكل عمالي جديد أطلق عليه " مجلس العمال" والذي أصبح يشارك ادارة المؤسسة في اصدار سائر القرارات سواء ذات الطابع الإداري أو المالي.
وصار للعمال يد في التوظيف والتكوين عن طريق لجنة الموظفين والتكوين. ويد في الشؤون المالية والإقتصادية عن طريق لجنة الإقتصاد والمالية. ويد في الشؤون الإجتماعية عن طريق لجنة الشؤون الإجتماعية ويد في رسم سياسة الصحة والأمن والأخرى في اصدار سائر القرارات عن طريق لجنة التأديب.[14]

- مرحلة تجميد بعض العلاوات ورفع أجور بعض الطزائف من 1973:
حينما تفاقم الخطر وازداد التباين بين طبقة العمال والموظفين في كل من القطاع الإداري والإقتصادي كان لا بد من التدخل لإجراء التقارب على الأقل بين لقطاعين سيما في المجال الأجور وللقضاء على الفروق التي كانت موجودة في ذلك الوقت. وفي 30 جانفي 1974 أنشئت لجنة وطنية كلفت بدراسة الوضع والتنسيق بين الأنظمة القانونية والتعويضات التي تمنح لعمال المؤسسات الإدارية والاقتصاد وكلفت بوضع الخطوط العريضة لسياسة وطنية للأجور.
غير أن هذه الجهود باءت بالفشل ويعود سر ذلك إلى استمرار الازدواجية في التنظيم المتبع والتي ترتب عليها هروب العاملين من القطاع الإداري إلى القطاع  الإقتصادي. واذا كانت الازدواجية في عالم الشغل من حيث النظام القانوني مقبولة في نظام تقوم فيه الدولة بالنشاط الإقتصادي (تجاري وصناعي) استثناء، فان الأمر يختلف من حيث المبدأ في دولة اشتراكية امتدت يدها لتمارس نشاطات اقتصادية ويتضاعف فيها عدد المؤسسات سنة بعد سنة، وكذلك عدد العاملين لحسابها.[15]
وبالتالي ينبغي على الدولة من حيث الأصل ألا تميز بين قطاع وآخر لأن جميع العاملين في هذه المؤسسات يعتبرون عمالا لديها ويجب إخضاعهم لنظام موحد. وإن كان ذلك لا يمنع من مراعاة بعض الخصوصيات بسبب اختلاف ظروف العمل والإنتاج في مؤسسات مختلفة وهذا طبعا من مطلق اشتراكي.
وبالمقابل صدرت نصوص عديدة استهدفت إيجاد نوع من الانسجام بين القطاعين المذكورين كان موضوعها زيادة أجور بعض الطوائف من الموظفين (موضفي وزارة التربية[16] والتكوين المهني[17] والأمن والحماية المدنية والمالية) ولكن كل هذه التدخلات لم تقضي على الهوة الموجودة بين القطاعين لأن التركيز على المؤسسات الإدارية بدفع أجور العاملين بها قابله إجراء آخر تمثل في الإستمرار في دفع كثير من العلاوات في القطاع الإقتصادي مما نجم عنه استمرار حالة التباين في نظام الأجور.

- مرحلة القانون الأساسي العام 1978:[18]
لقد صدر هذا النص في ظل مرحلة من التباين بين قطاع الوظيفة العامة والقطاع الإقتصادي وحاول وضع الأسس والقواعد العامة التي يقوم عليها عالم الشغل بهدف توحيد أهم معالم وأبعاد النظام القانوني الذي يحكم جميع العاملين بغض النظر عن القطاع الذي ينتمون اليه.
وهذا ما يفهم صراحة من تسمية هذا القانون  "القانون الأساسي العام للعامل". ومن المادة الأولى منه والتي حددت مجال تطبيقه بشكل واسع وشامل بقولها "يحدد هذا القانون حقوق العامل والواجبات التي يخضع لها مقابل تلك الحقوق مهما كان القطاع الذي ينتمي اليه...". وبالرغم من مسعاه التوحيدي فان القوانين الأساسية النموذجية المطبقة على مختلف قطاعات النشاط لم تتخلص من النظرة التقليدية القائمة أساسا على التمييز بين قطاع الوظيفة العامة والقطاع العام الإقتصادي. وهو ما أبقى على العديد من مظاهر الاختلاف والتباين بين العاملين في القطاع العام مما نجم عنه اضطرابات عديدة في مجال العمل. وما عزر مثل هذا التباين أن قواعد هذا القانون لم تشر صراحة إلى إلغاء ما سبقها من أوامر ومراسيم صدرت لتخص قطاع الوظيف العمومي دون سواه. وعلى رأسها الأمر 66- 133 المذكور.

- مرحلة 1985 القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العامة
إن أبرز ما جاء به هذا المرسوم المذكور هو محاولته وضع تصنيف موحد في عالم الشغل يسري على أغلب القطاعات. غير أنه وبعد صدور هذا المرسوم ظلت المؤسسات الاقتصادية تعيش وضعا ونظاما متميزا خاصة في مجال الأجور وذلك بسبب خضوع علاقة العمل في هذا القطاع إلى الاتفاقيات الجماعية للعمل. وبذلك عانت المرافق الإقتصادية وضعا غير ثابت قابل للتعديل في ضوء مطالب الإتحادات النقابية وادارة العمل. وهو ما لا نجده في علاقات العمل في القطاع الإداري التي تتسم عادة بالجمود وصعوبة التغيير (صعوبة التعديل). ومن هنا لم يستطع القانون الأساسي النموذجي بدوره القضاء على ظاهرة الازدواجية في عام الشغل حيث ظل التباين واضح بين القطاعين.
ومن هذا العرض التاريخي نستنتج أن المشرع الجزائري أخضع كل من المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية لنظام خاص. واذا كانت الوحدة بين القطاعين هدف المشرع من خلال سن بعض النصوص، الا أنها لم تتجسد في الواقع العملي فاستمر التمييز بين القطاعين واضحا.

- قانون الوظيفة العامة الجديد ومرحلة 2006:
واخيرا صدر الأمر 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ورجوعا للمادة الثانية من القانون الأساسي للوظيفة العامة الجديد نجدها قد أوردت على سبيل الحصر والتحديد مجال تطبيق هذا القانون فحددته ضمن دائرة المؤسسات العمومية والإدارات المركزية في الدولة والمصالح غير ممركزة التابعة لها (أي المديريات التنفيذية على المستوى المحلي، والمصالح الإدارية المركزية على المستوى المحلي) والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمؤسسات الإدارية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني والمؤسسات العمومية ذات الطابع التكنولوجي.
وهكذا استبعد النص بعدم الذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية والتي ظلت مشمولة الى اليوم بأحكام القانون التجاري وقانون العمل. وإذا كان المشرع الجزائري قد عجز على تحقيق الوحدة بين القطاعين في مرحلة الاشتراكية. فلا يمكن أن يحققها في ظل الحرية الاقتصادية وتراجع وجود الدولة في المجال الإقتصادي و توسع تطبيق إجراءات الخوصصة.

2/من حيث الجهة المختصة في الفصل في النزاع:
إن قراءة عابرة لنص المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية القديم تجعلنا أمام حقيقة لا يرقى اليها شك كون المشرع ميز في مجال المنازعات بين المؤسسات الإدارية والمؤسسات الإقتصادية. فكل منازعة تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها يتولى النظر فيها القاضي الإداري ممثلا في الغرف الإدارية. وهذا خلافا لمنازعات المؤسسات الإقتصادية التي حضر المشرع فيها في مرحلة معينة عرضها على المحاكم حيث جاء في المادة الأولى من الأمر رقم 75-44 المؤرخ في 17 جوان 1975 والمتعلق بالتحكيم الإجباري لبعض الهيئات " لا تعرض أبدا على المحاكم بل يجب أن تقدم للتحكيم في الظروف والأشكال الآتي تحديدها جميع النزاعات المتعلقة بالحقوق المالية أو الحقوق الناجمة عن تنفيذ عقود التوريدات أو الأشغال أو الخدمات والتي يمكن أن تحدث تعارضا في العلاقات بين المؤسسات الإشتراكية والوحدات المسيرة ذاتيا ذات الطابع الزراعي أو الصناعي وتعاونيات قدماء المجاهدين وتعاونيات الثورة الزراعية وكذلك الشركات ذات الاقتصاد " المختلط". 
وغنى عن البيان أن الإعتراف لهيئات التحكيم بالنظر والفصل في منازعات المؤسسات الإقتصادية يعني أن هذه المنازعات ستخضع إجرائيا لنصوص خاصة كشف عنها الأمر المذكور. ولا تخضع في الغالب لقانون الإجراءات المدنية (القواعد العامة). فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إجراء الطعن لو وجدنا أن القرارات التحكيمية واستنادا للمادة 20 من الأمر المذكور غير قابلة للطعن بالاستئناف بل تقبل الطعن بالتماس إعادة النظر.[19] وبصدور القانون رقم 04.88  المؤرخ في 12 جانفي 1988 المعدل والمتمم للقانون التجاري أصبحت المؤسسات العمومية الإقتصادية تخضع للقانون التجاري وهذا ما يوسع من مجال اختصاص الأقسام التجارية. [20] وبصدور القانون العضوي 98- 01 المتعلق بمجلس الدولة والمشار اليه سابقا. وكذلك القانون 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية صار التمييز اليوم في الجزائر بين المرافق الإدارية والمرافق الإقتصادية من الفائدة بمكان فيما يتعلق بقواعد الإختصاص القضائي: 
ففي ظل مرحلة الإزدواجية التي عرفتها البلاد منذ 1996، أصبح القاضي الإداري على مستوى المحكمة االإدارية أو  مجلس الدولة لا ينظر الا في منازعات المرافق الإدارية دون المرافق الإقتصادية التي تخضع لجهة القضاء العادي ممثلا في المحاكم الإبتدائية والمجالس القضائية والمحكمة العليا. وهو ما تكرس في القانون 08/09 المذكور.

3/ المرافق المهنية:
وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية. وهو يرمي الى تنظيم بعض المهن في الدولة عن طريق أبناء المهنة أنفسهم. والسمة البارزة في المرافق المهنية أن انضمام أفراد المهنة اليها ليس أمرا اختياريا وانما هو أمر اجباري مما يجعلها نوعا من الجماعات الجبرية.[21] وتدار هذه المرافق من قبل مجموعة من المنخرطين فيها. وتتخذ شكل التنظيم النقابي يشرف على إدارته مجلس منتخب.
ومثال هذه النقابات في الجزائر منظمة المحامين التي يحكمها القانون رقم 91-04 المؤرخ في 8 جانفي 91. ورجوعا للمادة 7 من هذا القانون نجدها قد فرضت التسجيل بالنسبة للمحامين في جدول المنظمة بقولها: " لا يجوز لأي كان أن يتخذ لنفسه لقب محام ان لم يكن مسجلا في جدول منظمة المحامين وذلك تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 243 من قانون العقوبات".
ولقد أخضع المشرع الجزائري بعض المرافق المهنية كالمنظمة الوطنية للمحامين فيما يتعلق بمنازعاتها لجهة القضاء الإداري سواء فيما يشمل المنازعات الناتجة عن التسجيل في المهنة[22]. أو أي منازعة أخرى تطبيقا للمادة 20 من قانون المحاماة. ولا ينبغي أن يفهم من أن إخضاع المرافق المهنية لاختصاص القضاء الإداري يعني تغيير طبيعتها أو اعتبارا هياكل التسيير على مستوى المنظمة[23] هي الأخرى مرافق إدارية اذ يظل المرفق مهنيا ولوخضع لاختصاص القضاء الإداري داخل الدولة.
 
1-                  المرافق الاجتماعية:
وهي المرافق التي تستهدف تحقيق خدمات اجتماعية للجمهور مثل المرافق المخصصة لتقديم إعانات للجمهور ومراكز الضمان الإجتماعي والتقاعد ومراكز الراحة. ويحكم هذا النوع من المرافق مزيج من قواعد القانون العام والخاص كما تمثل منازعتها أمام القضاء الإداري وأحيانا أخرى أمام القضاء العادي. ولقد اعتبر القضاء الفرنسي في بداية الأمر منازعات المرافق الإجتماعية المكلفة بتقديم المساعدات العامة منازعات ادارية. غير أن تطور النظرة لمؤسسات الضمان الإجتماعي وبروز فكرة الإقساط التي يلزم بدفعها المنتفعين من خدمات المرفق، جعلت القضاء الإداري يتردد في كثير من الأحيان من أن يتولى الفصل في منازعات هذا النوع من المرافق. وامتد هذا التمييز أيضا للنظام القانوني الجزائري حيث أنه ورجوعا للقانون رقم 83-15 المؤرخ في 02 جويلية 1983 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الإجتماعي نجد المشرع قد وزع الإختصاص بين القضاء العادي وبين المحاكم الإدارية.[24] 



ثانيا: تقسيم المرافق من حيث أداة الإنشاء.
تقسم المرافق من هذه الزاوية الى مرافق تنشأ بنص تشريعي ومرافق تنشأ بنص تنظيمي.

أ- المرافق التي تنشأ بنص تشريعي:
وهي عادة مجموع المرافق ذات الأهمية الوطنية القصوى التي يفرض المشرع أمر إنشائها بموجب نص تشريعي ليمكن أعضاء السلطة التشريعية من الإطلاع على نشاط المرفق وضرورته وقواعده.
والحقيقة أن أهمية المرفق واحتلاله لهذه المكانة مسألة يتحكم فيها طبيعة النظام السياسي السائد في الدولة. ففي الدولة الاشتراكية مثلا تحتل المرافق الاقتصادية مكانة متميزة، بينما في النظم اللبرالية لا ترقى أهميتها للدرجة التي ذكرناها بل إنها تعادل المشروعات الخاصة.

ب- مرافق تنشأ بنص تنظيمي:
عادة ما يخول التشريع في الدولة للسلطة التنفيذية صلاحية إنشاء المرافق العامة وهذا ما سنتولى توضيحه عند دراسة إنشاء المرافق العامة.  

ثالثا: تقسيم المرافق من حيث امتدادها الإقليمي. 
تقسم المرافق من هذه الزاوية الى مرافق وطنية وأخرى محلية.

أ- المرافق الوطنية:
وهي مجموع المرافق التي يمتد نشاطها ليشمل جميع إقليم الدولة. ومثالها مرافق الدفاع والأمن والبريد والقضاء ونظرا لأهمية هذا النوع من المرافق فان إدارتها تلحق بالدولة ونفعها يكون واسعا يشمل كل الأقاليم.


ب- المرافق الإقليمية:
وهي المرافق التي يقتصر نشاطها في جزء من إقليم الدولة كالولاية والبلدية. وينتفع من خدمات هذا المرفق سكان الإقليم. وتتولى السلطات المحلية أمر تسييره والإشراف عليه لأنها أقدر من الدولة.[25] وأكثر منها اطلاعا ومعرفة لشؤون الإقليم كما عرفنا ذلك سابقا.[26] فهذه المادة 136 من قانون البلدية تعترف للبلدية بحق انشاء مؤسسات عمومية مشتركة تتمتع أيضا بالشخصية المعنوية.
وجاءت قواعد قانون الولاية أكثر وضوحا عندما أجازت هي الأخرى للولاية احداث مؤسسات عمومية ذات طابع اداري أو صناعي أو تجاري (المادة 126 الى 129).وتجدر الإشارة أن المرافق الوطنية والمرافق المحلية ليست منفصلة انفصالا تاما، بل كثيرا ما يحدث بينهما التعامل بما توجيه مقتضيات المصلحة العامة وبما يحقق النفع لجمهور المنتفعين.

المطلب الخامس: النظام القانوني للمرافق العامة.
ابتداء ينبغي الإشارة أنه من الصعب سن قانون واحد يحكم المرافق، وأن ما صلح من القواعد والآليات لمرفق قد لا يصلح لمرفق آخر. فمرفق القضاء مثلا طبيعة نشاطه تفرض عليه أن يكون محايدا، عادلا، وهو ما يفرض بالتبعية أن يؤدي المرفق عمله في كنف الإستقلال التام دون خضوع لأي جهة أيا كان موقعها وقوة نفوذها.
وهذا خلافا لمرافق أخرى تقتضي طبيعة نشاطها أن لا تستقل في أداء عملها بذات الصورة التي ألفناها في عمل مرفق القضاء، بما ينجم عن ذلك خطورة تعود نتائجها على المجتمع بأكمله. فمرفق الدفاع مثلا طبيعة عمله تفرض توحيد مصدر قيادته وأوامره وربطه أكثر بجهات قيادية معينة. وما قيل عن مرفق القضاء والأمن يقال عن سائر المرافق الأخرى كمرفق التعليم والبريد والصحة.
لذلك عمدت غالبية الأنظمة المعاصرة الى تخصيص قواعد تحكم كل نشاط لوحده. وهو ما عمل به المشرع الجزائري حيث خص كل قطاع بقانونه الأساسي، فللجامعة قانونها الخاص وللقضاء قانونه أيضا وللبريد والجمارك والصحة والدفاع وهكذا...[27] حتى أنه نجم عن صدور قانون الوظيفة العامة الجديد صدور أكثر من 80 مرسوما منظما لقطاعات مختلفة. وإذا كان الأصل هو عدم إمكانية وضع قانون واحد جامع مانع يحكم سائر المرافق وكل النشاطات والقطاعات، الا أن ذلك لا يمنع أن تتحد المرافق جميعها في قواعد أساسية وأحكام عامة تجد تطبيقها في شتى ميادين النشاط.
ومن هنا جاز لنا القول أنه إذا كان يتعذر سن قانون عام يحكم كل المرافق، فانه بالإمكان سن قانون مصغر تسري قواعده على جميع المرافق وهذا ما اصطلح عليه فقها بقانون المرافق المتمثل في المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة. وتقتضي دراسة النظام القانوني للمرافق التطرق لقواعد إنشاء المرافق والمبادئ الأساسية التي تحكمها وكذا طرق وقواعد سيرها. نفصل ذلك فيما يلي:

أولا: إنشاء وإلغاء المرافق العامة.   
سبق البيان أن أهمية المرافق وتعددها مسألة تخضع معالجتها للنظام السياسي السائد في الدولة. فنطاق تدخل الدولة وقيامها بممارسة بعض النشاطات وسيطرتها على ميادين محددة دون غيرها، أمر لا يمكن التطرق اليه بعيدا عن فلسفة الدولة وخطتها ونهجها السياسي.  فللمرافق الاقتصادية مكانة بارزة في ظل الفكر والنظام الإشتراكي. ولا تحتل ذات الموقع في ظل الفلسفة اللبرالية. ولما اختلف الموقع والأهمية وجب أن تختلف قواعد انشاء المرفق.
وثمة مسائل أخرى تتحكم في قواعد الإنشاء و الإلغاء وهي العلاقة داخل الدولة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومجال تدخل ونشاط كل منهما.
فاذا كان دستور الدولة قد قطع بأن انشاء مرافق ما، بالنظر لأهميتها يعود للسلطة التشريعية، فان هذا النوع من المرفق ينشأ بنص تشريعي. واذا كان الدستور عند استعراضه لصلاحيات السلطة التنفيذية قد حكم بأنه يعود اليها انشاء بعض المرافق فان قاعدة انشاء المرفق تكون بموجب نص تنظيمي. 
ورجوعا للأمر 71-74 المشار اليه و تحديدا لنص المادة 5 منه نجدها قد جاءت بالشكل التالي " تحدث المؤسسة الإشتراكية بموجب مرسوم باستثناء المؤسسات التي لها أهمية وطنية والتي تحدث بموجب قانون".
من هذا النص يتضح أن المشرع ربط بين أداة الإنشاء (نص تشريعي أو نص تنظيمي) وبين أهمية المرفق فان كان يحتل مكانة بارزة ونشاطه سيعود بالنفع العام على مجموع الإقليم  دون أن يخص جزءا معينا منه، فان إحداثه يتم بموجب نص تشريعي، وان ثبت خلاف ذلك تعين احداثه بموجب نص تنظيمي.
ولو وقفنا عند دستور 1976 وتحديدا عن نص مادته 151 والتي نضمت صلاحية المجلس الشعبي الوطني لوجدناها تخلو من الإشارة الى صلاحيات المجلس في انشاء المؤسسات العامة. وهو ذات النص تقريبا نجده في دستور 1989
(المادة 115 منه) مما يفهم منه أن الأصل في إنشاء المؤسسات يعود للسلطة التنفيذية.

ثانيا: المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة.
سبق القول أن سن قانون واحد يحكم المرافق جميعا بات أمر من المحال تجسيده في الواقع العملي بسبب اختلاف طبيعة نشاط كل مرفق. غير أن ذلك لا يمنع من إخضاع لكل المرافق الى مبادئ معينة اتفق الفقه والقضاء بشأنها وأضحت اليوم من المسلمات في نظرية المرافق. وتتمثل هذه المبادئ في:
-         مبدأ مساواة المنتفعين أمام المرفق.
-         مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد.
-         مبدأ قابلية المرفق للتغيير والتبديل.

1- مبدأ المساواة المنتفعين أمام المرفق:
إن مبدأ المساواة أمام المرافق العامة هو امتداد للمبدأ العام هو مساواة الأفراد أمام القانون. والذي بات يمثل اليوم حقا من حقوق الإنسان وحقا دستويا أعلنت عنه مختلف الدساتير.
ويترتب على هذا القول نتائج تتمثل في مبادئ فرعية هي المساواة المنتفعين من خدمات المرفق والمساواة في الالتحاق بالوظائف العامة. 

أ- مساواة المنتفعين من خدمات المرفق:
يقتضي هذا المبدأ وجوب معاملة المرفق لكل المنتفعين معاملة واحدة دون تفضيل البعض على البعض الأخر لأسباب تتعلق بالجنس أو اللون أو الدين أو الحالة المالية وغيرها. ويعود سر الزام المرفق بالحياد بعلاقته بالمنتفعين الى أن المرفق تم احداثه بأموال عامة بغرض أداء حاجة عامة. ومن هنا تعين عليه أن لا يفاضل في مجال الإنتفاع بين شخص وشخص وفئة وأخرى ممن يلبون شروط الإنتفاع من خدمات المرفق. ولا يتنافى هذا المبدأ مع سلطة المرفق في فرض بعض الشروط التي تستوجبها القوانين والتنظيمات كالشروط المتعلقة بدفع الرسوم او اتباع بعض الإجراءات أو تقديم بعض الوثائق. وعلى ذلك لا يعد انتهاكا للمبدأ المذكور أن تشترط مؤسسة سونلغاز على المنتفع وثيقة تتعلق بالعقار موضوع الخدمة لتتأكد من توافر الشروط التقنية (البناء الغير فوضوي).كما لا يعد مبدأ لإنتهاكا لمبدأ المساواة أن تفرض إدارة الخدمات الجامعية على الطلبة الراغبين في الحصول على غرفة بالأحياء الجامعية أن يقدم هؤلاء ما يثبون به إقامتهم العائلية على بعد مسافة حددها التنظيم. ولا يعد انتهاكا للمبدأ أن تفرض مبالغ مالية معينة لقاء الانتفاع بالخدمات.  

ب- المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة:  
يترتب على المبدأ العام وهو المساواة امام القانون حق الأفراد بالإلتحاق بالوظائف العامة. ولا يجوز من حيث الأصل فرض شروط تتعلق بالجنس أو اللون أو العقيدة للاستفادة من وظيفة معينة. فالإلتحاق بالوظائف العامة بات اليوم يشكل حق دستوريا يتمتع به الأفراد. [28] غير أن التمتع بهذا الحق لا يمنع المشرع من أن يضبط الإلتحاق بالوظائف بشروط محددة تتعلق بالحالة السياسية (الجنسية) والسن وحسن السيرة السلوك وغيرها. كما يضبطه أيضا بإجراءات معينة كإجراء الدخول في مسابقة.
ولايعد مساسا بهذا المبدأ أن يحرم المشرع بعض الطوائف من تولي الوظائف العامة كحرمانه لأولئك الذين ثبت سلوكهم المشين تجاه الثورة.

مكانة المبدأ في النصوص الرسمية الجزائرية: احتل مبدأ المساواة أمام القانون عموما في التشريع الجزائري مكانة بارزة دلت عليها النصوص على اختلاف قوتها القانونية وهذا بيان الأسباب للقانون الأساسي للوظيفة العامة يجسد المبدأ العام من زاوية التساوي  في الالتحاق بالوظيفة العامة  بقوله " يسود النظام الحقوقي للوظيفة العمومية مبدأ هام وهو مساواة دخول جميع الجزائريين اليها  وهو ما تأكد في المادة الخامسة من نفس القانون. وجاء الأمر 71-74 المذكور ليجسد ولو بشكل عام هو الآخر مبدأ المساواة في عالم الشغل في مجال الحقوق و الواجبات بين العمال. وتجسد في المادة 7 من القانون الأساسي العام للعامل لسنة1978. وجاء دستور 1976 بموجب المادة 39 منه ليؤكد هو الآخر أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. وليفصل أكثر في هذا الشأن بأنه لا يعترف بأي تمييز قائم على الجنس أو العرق أو الحرفة. وأكدت المادة 44 منه بأن وظائف الدولة متاحة لجميع المواطنين دون تمييز ماعدا شروط الاستحقاق والأهلية. ولم يحد دستور 1989 عن غيره من النصوص الرسمية في اقرار المبدأ بل تناوله بطريقة أكثر تفصيلا وهذا مادلت عليه المادة 28 بقولها: " كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه الى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو أي ظرف آخر شخصي أو اجتماعي".
وأكدت المادة 48 منه مبدأ التساوي في الالتحاق بالوظائف العامة. وذات المبدأ تم ترسيخة وتأكيده في دستور 1996 بموجب المادة 29 و51 منه. وقد حمل هذا الدستور أيضا مبدأ جديدا له علاقة مباشرة بمبدأ المساواة أمام القانون وهو مبدأ حياد الإدارة المعلن عنه بمقتضى المادة 23 منه و الذي يعني الزام الإدارة بأداء عملها بطريقة واحدة وأسلوب واحد للجمهور دون تمييز في مجال الجنس أو الرأي أو الإتجاه السياسي وغير ذلك من ضروب التمييز. وخارج إطار المبادئ الدستورية وقوانين الوظيفة العامة نجد المشرع كثيرا ما يعلن صراحة عن عدم فرضه أي قيد بشأن الجنس ويقر التساوي بين المرأة والرجل.
فهذه المادة 33 من قانون الحالة المدنية وهي تضع أحكام الشهادة نجدها تعلن صراحة على عدم التمييز بين المرأة والرجل في مجال الشهادة الخاصة بعقود الحالة المدنية. وحتى وظيفة القضاء والتي كثر من شأنها الجدل بخصوص حق المرأة في توليها في كثير من الدول العربية والإسلامية، وجدنا المشرع الجزائري لم يقصرها على الرجال دون النساء و هو ما يتضح في نص المادة 27 من القانون رقم 89- 21 المؤرخ في 12 ديسمبر 1989 المتضمن القانون الأساسي للقضاء[29] والتي اكتفت بشروط الحالة السياسية للمترشح لوظيفة القضاء وشروط أخرى تتعلق بالمؤهل. والأمر نفسه تأكد في القانون العضوي 11.04 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء وجاءت المادة 47 منه مكرسة مبدأ المساواة في الالتحاق بالوظائف العامة.   

جزاء الإخلال بمبدأ المساواة: سبق البيان والتأكيد أن مبدأ المساواة أمام القانون وما تفرع عنه من نتائج تم تجسيده على مستوى المنظومة القانونية الجزائرية. وهو ما يعني أن هناك جزاءات مترتبة على مخالفة هذه القواعد القانونية.
فعندما تقرر الدساتير والقوانين المختلفة حق المنتفع من خدمات المرفق، وأن يعامل وبقية الأشخاص الذين تجمعهم به وحدة الشروط معاملة واحدة تخلو من كل صور التمييز وأشكاله، فانه يترتب على ذلك الاعتراف له بحق المتابعة القضائية اذا ثبت خلاف ما تم تقريره والإعلان عنه. والا أضحى مبدأ المساواة أمام القانون عديم الجدوى ومجرد أحرف ميتة.[30]
وتأسيسا على ما تقدم تعين الإعتراف لكل فرد بحق رفع دعوى ضد مرفق عام اذا ثبت أن هذا الأخير انتهك مبدأ المساواة بأن تحيز لأحد المنتفعين دون الآخرين وخصه بخدمة متميزة مثلا. أو صد الإنتفاع في وجه شخص أو أشخاص دون الآخرين و هكذا. والدعوى المقصودة هي اما دعوى الإلغاء أو التعويض. فاذا أصدر المرفق مثلا قرارا يقصر فيه الخدمة على فئة معينة من المنتفعين دون البقية جاز لهؤلاء رفع دعوى الغاء بسبب تمييز واضح في الخدمة. وان اتضح للقاضي الإداري صحة الإدعاء قضى بالغاء القرار.
 وإن أثبت رافع الدعوى أن حرمانه من الانتفاع من خدمات المرفق سبب له ضرر حق له المطالبة بالتعويض. فهذه المادة 5 من المرسوم 88 – 131 المؤرخ في 4 جويلية 1988 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطن اعترفت بأنه يترتب على كل تعسف في ممارسة السلطة تعويضا وفقا للتشريع المعمول به دون المساس بالعقوبات الجزائية والتأديبية التي يتعرض لها المتعسف. كما اعترفت المادة 39 من نفس المرسوم لضحية العمل التعسفي بتعويض.
ولا يعني ما قلناه أن المنتفع في مركز تعاقدي تجاه المرفق، بل هو في مركز لائحي وتنظيمي تحكمه القوانين والتنظيمات. فلا يستطيع أن يتمسك بحق الانتفاع وبمبدأ المساواة خارج إطار النصوص.

2- مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد:
تؤدي المرافق العامة دورا كبيرا داخل المجتمع أيا كان موضوع نشاطها.  وهذا يفرض أن تقدم خدماتها للجمهور بشكل مستمر ومتواصل. فلا يمكن أن نتصور مثلا توقف جهاز القضاء عن الفصل في الخصومات. أو توقف جهاز الأمن عن أداء مهامه أو مرفق الدفاع. إن توقف أحد هذه الأجهزة وغيرها سينجم عنه لا شك إلحاق بالغ الضرر بالمصلحة العامة وبحقوق الأفراد. لذا تعين على المشرع وبغرض تحقيق المقصد العام وهو استمرارية نشاط المرفق وقيامه بالخدمات المنوطة به  أن يعد من الآليات القانونية ما يضمن أداء الخدمة وتواترها وانتظامها وعدم انقطاعها.[31]. 
فمن حق المنتفع الاستفادة من خدمات المرفق في المكان والزمان والمخصص لذلك، واذا تعرض المرفق لعوائق تقنية مثلا تحول دون تحقيق عنصر الانتفاع وجب أن يعلم الجمهور بذلك. فإذا أرادت مثلا مؤسسة سونلغاز القيام بأشغال معينة وقطع التيار الكهربائي لمدة معينة وجب أن تعلن الجمهور بذلك وكذا الحال بالنسبة لمؤسسة توزيع المياه.
ويعتبر مبدأ الاستمرارية أكثر المبادئ وزنا لأن القضاء الإداري كثيرا ما اعتمد عليه. ولأن معظم أحكام ومبادئ القانون الإداري تخص هذا المبدأ ومتفرعة عنه كما سنوضح ذلك لاحقا.
ويقتضي مبدأ الإستمرارية توافر جملة من الضمانات تعمل جميعا على تجسيده في أرض الواقع. ومن هذه الضمانات ماوضعه المشرع ومنها ما رسخه القضاء الإداري. وتتجلى هذه الضمانات في تنظيم ممارسة حق الإضراب، وتنظيم ممارسة حق الإستقالة وسن قواعد خاصة لحماية أموال المرفق. وهي جميعا تمثل ضمانات تشريعية أي من صنع المشرع. وهناك ضمانات أخرى كنظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة وهي من صنع القضاء نفصل هذه الضمانات فيما يلي:
  


[1] الدكتور أحمد محيو المرجع السابق ص435.
[2] عبد الله الشيخ المرجع السابق، ص 133 و الدكتور ثروت بدوي، المرجع السابق ص 389، الدكتور ماهر جبر نضر المرجع السابق، ص 394.

[3] الدكتور سليمان  الطماوي، مبادئ القانون ا الإداري، ص 22 – الدكتور حماد شطا، المرجع السابق، ص 60.
[4] البشير التكاري، المرجع السابق، ص 12. الدكتور ثروت بدوي، المرجع السابق، ص 389 وراجع على سبيل المثال إشكالية مرفق  النقل بالمغرب، د.محمد حميمز، اشكالية تدبير المرافق العمومية الجماعية.
مرفق المحطة الطرقية لنقل المسافرين، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 71، نوفمبر 2006 ص 75. 
[5] - الدكتور عبد الفتاح أبو الليل، الوجيز في القانون الإداري دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص 177.

[6] الدكتور فؤاد مهنا المرجع السابق ص 263.
[7] الدكتور محمد سليمان الطماوي مبادئ القانون الإداري ص 38.
[8] الدكتور محمد سليمان الطماوي مبادئ القانون الإداري ص 39.
[9] الدكتور محمد سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري ص 40.
[10] يعد الباحث Chavnon من بين الباحثين الأوائل الذي تصدى لهذه الفكرة وعالجها في رسالته للدكتوراه بعنوان ُEssai sur la notion et le régime juridique des services
publics industriels et commerciaux, these de doctorat bordeaux  1939, P 18 et suite.
[11] الدكتور إبراهيم محمد علي، المرجع السابق، ص 154.
[12] - الدكتور محمد سليمان الطماوي، المرجع السابق، ص 43.  الدكتور ابراهيم محمد علي، المرجع السابق ص 156.
[13] - الدكتور محمد أنس قاسم، 163 الوسيط في القانون العام المرجع السابق، ص 200.

[14] - لتفصيل أكثر راجع:
-Mahfoud Ghezali la participation des travailleurs a la gestion socialiste des entreprises, OPU 1981 P52.
Mohamed boussoumah l’entreprise Socialiste en Algerie OPU 1982 P463.
- الدكتور محمد الصغير بعلي، المؤسسات العمومية الإقتصادية في التشريع الجزائري، المعهد الوطني للدراسات و البحوث النقابية، دون تاريخ ص 23 وما بعدها.
[15] لتفصيل بخصوص تطور اليد العاملة في الجزائر راجع:
Mostefa Boutefnouchet, les travailleurs en Algerie OPU. Alger 1984 et suite.
[16] أنظر أحكام المرسوم رقم 77 -128 المؤرخ في 19 سبتمبر 1977 المتضمن الزيادة في مرتبات الموظفين في وزارة التربي.

[17] أنظر المرسوم رقم 77- 129 المؤرخ 19 سبتمبر 1977 المتعلق بالزيادة في مرتبات التابعين لوزارة العمل.

[18] - لتفصيل أكثر بخصوص هذه المرحلة راجع: الدكتور أحمد محيو، القانون الأساسي العام للعامل ترجمة بيوض انعام، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الإقتصادية و السياسية،1982 العدد1 ص 214 و ما بعدها.
[19] لتفصيل أكثر بخصوص الجوانب الإجرائية راجع:
Mohamed Mentalecheta L’arbitrage Commercial en droit Algérien OPU 1984 P67.
وأيضا الدكتور أحمد محيو، المنازعة الإدارية، ص32.
390 محمد ابراهيمي، الوجيز في الإجراءات المدنية،ج1، الجزائر ص115
[21] - الدكتور سليمان محمد الطاوي، المرجع السابق، ص 50.
      - الدكتور محمد فاروق عبد الحميد، المرجع السابق، ص 11.
[22] أنظر قرار مجلس الدولة رقم 204658  الغرفة الخامسة بتاريخ 10 جويلية 2000 منشور بمجلة مجلس الدولة العدد الأول، ص 111.

[23] أنظر قرار مجلس الدولة الغرف المجتمعة ملف رقم 11053 جلسة 2003.06.17 قضية ب.ع  ضد المكتب المكلف بالإشراف على انتخابات مجلس المحامين بعنابة مجلة  مجلس الدولة نفس الغرفة بتاريخ  2003.06.16  ملف رقم 11081 ب.ع ومن معه ضد نقيب المحامين بسطيف، منشور في العدد 4، 2003، ص 56. 
[24] - لتفصل أكثر راجع: الدكتور مسعود شيهوب، المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، الجزء الثالث: ص 443 الجزء الثاني: ص 308. وأيضا الدكتور  محمد إبراهيمي، المرجع السابق، ص 125 وما بعدها.

[25] نقصد بالدولة السلطة المركزية.
[26] راجع ما قلناه سابقا بخصوص الأسباب الداعية للعمل بنظام الإدارة  المحلية.
[27] - أنظر على سبيل المثال الأمر رقم 75 -89 المؤرخ في:30 /12/1975 المتضمن قانون البريد والمواصلات و القانون رقم 98 -10 المؤرخ في 22/08/1998 المتضمن قانون الجمارك.
[28] - رأى جانب من الفقه في مصر بأن منع المرأة من تولي القضاء ليس له أي سند قانوني طالما فصل الدستور في ذلك صراحة. غير أن محكمة القضاء  الإداري  في حكمها الصادر بتاريخ 20 فبراير 1952 قضت بما يأتي: " ان قصر بعض وظائف  مجالس الدولة و القضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الأخر أن يكون وزنا لمناسبات التعيين في هذه الوظائف تراعي فيها الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى  الإعتبارات من أحوال الوظيفة و ملابستها وظروف البيئة وأوضاع العرف و التقاليد دون أن يكون ذلك حط من قيمة المرأة و لا نيل من كرامتها و لا نقص من مستواها الأدبي و الثقافي و لا غمط لنبوغها وتفوقها ولا  اجحاف لها و انما مجرد تخيير الإدارة في مجال ترخيص فيه ملائمة التعيين في وظيفة بذاتها....".
أنظر عمر يس. استقلال السلطة القضائية في النظامين الإسلامي و الوضعي، رسالة دكتوراه جامعة عين شمس ص 29.
[29] حاول  البعض اثارة اشكالية صحة أحكام التطليق الصادرة عن هيئات قضائية تترأسها قاضية، غير أن المحكمة  العليا رفضت الحجج المقدمة و اعتبرت القضاء صحيحا لعدم ثبوت ما يدل منع المرأة من تقلد وظيفة القضاء. راجع قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ  1984.06.25  المنشور في المجلة القضائية العدد 03/1989، ص 41.

[30] في حكم لها بتاريخ 13 مارس1963 ذهبت المحكمة الإدارية العليا بمصر إلى القول:
(لأوجه للقول بأن مجرد ترك المدعية وتعيين من يليها في الترتيب ينطوي في ذاته على اساءة استعمال السلطة...) وبررت المحكمة ذلك بأن شروط الإلتحاق بوظيفة كيميائي خارج القاهرة كثيرا ما تتطلب التنقل للريف ومعاينة مواقع عمليات الشرب ويقتضي الأمر أحيانا استعمال مسالك وعرة سيرا عن الأقدام وباستعمال الدواب والموتو سيكل في مناطق غير آمنة أحيانا، وهو ما يفرض قصر  الوظيفة هذه على الرجال دون النساء.
- أنظر الحكم كاملا  الدكتور سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري، نظرية المرافق، المرجع السابق ص 178.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادارة المنازعات الادراية

ادارة المنازعات الادراية تعتبر المنازعات(سواء الفردية أو الجماعية)اليوم داخل المؤسسات العمومية اللتي تقع بين المنظمات العمالية وأرباب ال...