close
عنوان الصورة

السبت، 16 فبراير 2013

مظاهرتخلف الادارة العامة في الدول النامية





ظواهر تخلفية تتسم بها الإدارة في الدول النامية
يتسم الجهاز الإداري في الدول النامية بجملة سمات تخلفية ظاهرة للعيان يمكن للمراقب تشخيصها وتتبع آثارها ،فهي بحق أمراضاً سلوكية تلقي بظلالها على الجمهور المتعامل مع كل منظمة إدارية وتنبع من نظرة المجتمع إلى الوظيفة العامة .ويمكن لي تعداد أبرز هذه الظواهر التي يصعب الفصل بينها ،لذا فإنّ القارئ العزيز سيلحظ تداخلاً بين هذه الظاهر لأنّ مآلها إلى سبب مشترك واحد ناجم من عدة عوامل عقائدية وتأريخية وسياسة وغيرها.
الظاهرة الأولى 
ـ نظرة الرؤساء إلى الدولة ـ
ينظر أغلب رؤساء الإدارات إلى الدولة أنها مجموعة من الأجهزة التنظيمية تفرض سلطتها البوليسية على الشعب تحت لافتة (المصلحة العامة) ،حيث لا يمكن تحقيق هذه المصلحة بدون هذه السلطة .وبحسب هذه النظرة فإنَّ الرئيس الإداري ينظر إلى المرؤوسين الذين يعملون معه أنهم أدوات يسخّرهم بيده لتحقيق هدف بسط السيطرة على الجمهور الذي يُنظر إليه نظرة عدوانية محضة ،ممّا يزعزع أواصر العلاقة بين الموظف العمومي وبين الجمهور الذي ينشد تحقيق مصالحه ومنافعه التي قررها الدستور والقوانين المشرَّعة ،ذلك أنّ العاملين في الجهاز الإداري ينظرون إلى المنتفعين نظرة مشحونة بالريبة والكراهية ،فيستثمر الفاسدون هذه الأجواء المتأزمة لممارسة شتى أنواع الضغوط والابتزاز ،وهذا بدوره يساعد بدرجة كبيرة على شيوع الرُّشا وإقامة علاقات مشبوهة بين الطرفين ،وينجم عن ذلك تفشي حالات التزوير للمستندات الرسمية وصولاً إلى الحصول على مكاسب غير مشروعة . في حين نرى أنّ معنى الدولة ينبثق من فكرة أنها مجموعة من الأجهزة الإدارية تتظافر وتتكامل جهودها لتحقيق أهداف المشرّع التي ينبغي أن تعكس رغبات الجمهور وهي تقديم أفضل الخدمات واعتبار قادتها ومرؤوسيهم بمثابة أُجراء عند المجتمع الذي يراقب أداءَهم وصولاً للحصول على أفضل الخدمات من غير امتهان ولا امتنان ذلك أن الجماهير الشعبية هي صاحبة المصلحة الحقيقية من وراء إنشاء أجهزة الدولة . ولذا نجد العلاقة بين طرفي التعامل في ظل المجتمعات المتقدمة تكون إيجابية لصالح هذه الجماهير لا لصالح الرؤساء ؛الذين لا يألون جهداً بكسب الرضا الوظيفي من هذه الناحية ،لا من ناحية استمالة العاملين لرؤسائهم ،في حين نجد أنّ الجمهور في تلك الدول يخاف كثيراً من طبقة الرؤساء ويسعى بشتى السبل لكسب ودها درءاً لمخاطرها ، أو للحصول على إشباع حاجاتهم، حتى لو أدى ذلك إلى اتـّـباع وسائل غير شريفة، وهذا ما ولـّد نظرة خطيرة تتلخص بقولنا هنا : البريء متهم حتى تثبت براءته خلافاً للمادة الدستورية الشهيرة : المتهم بريء حتى تثبت إدانته !
الظاهرة الثانية
ـ الوظيفة العامة فرصة عمل للرؤساء ولمرؤوسيهم ـ
ينظر المجتمع إلى الوظيفة العامة أنها فرصة عمل فقط (فرصة ارتزاق) على الجميع السعي الحثيث وبشتى الوسائل المشروعة وحتى غير المشروعة أحياناً للحصول على وظائف لم يكن الجمهوربحاجة إليها في ظل غياب تشريعات فعالة للحماية الاجتماعية من شأنها تأمين دخل مناسب تقدمه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للعاطلين والمعطلين عن العمل لمختلف الأسباب الخارجة عن إرادة الإنسان .وقد خلقت هذه النظرة الحالات التالية :
الحالة الأولى : زيادة العبء على الخزينة العامة وضعف الأداء الحكومي نتيجة لتضخم الأجهزة  وبالتالي ضعف الرقابة عليها ،مما ينجم عنه انخفاض الكفاءة الإنتاجية عند العاملين ثم انخفاض نسب الإنتاج .
الحالة الثانية : ظهور مهام غير حقيقية مما ينجم عنه تضخم عدد العاملين وكثرة الحلقات الروتينية وتعقد الإجراءات ،وهذا يؤدي إلى تذمر الجمهور وسوء العلاقة بين المجتمع وبين الأجهزة الإدارية .
الحالة الثالثة : ظهور حالات التداخل في المهام بين مختلف الإدارات ،فمثلاً نجد أن وزارة ما تقوم بمهمة هي نفس المهمة التي تقوم بها وزارة أخرى.
الظاهرة الثالثة
أبوية الدولة
تكريس حالة يمكن تسميتها بـ ( أبوية الدولة) تلك الفكرة التي يكرَّسها المشرع منذ تأسيس الدولة الحديثة الذي أقرّ المبدأ التدخلي لأجهزة الدولة في جميع الأنشطة التي تخدم خدماتها إلى الجمهور وفي ظل ذلك أصبحت الدوائر الحكومية ملجأً يلجأ إليها الناس لتوفير الأمن الغذائي والدوائي والصحي والتعليمي والسلعي والخدماتي ،وما إلى ذلك من الاحتياجات الضرورية وغير الضرورية ،وقد تطور هذا المنحى فصارت دوائر الدولة دكاكين تبيع السلع وتقدم الخدمات من غير منافس ينافسها ولا رقابة حقيقية تراقبها ،ففي العراق رأينا كيف أنّ الأوضاع تردت خصوصاً في عهد صدام  حيث استخدمت إمكانات الحكومة تقدم على أساس الولاء للنظام ،وتحجب عن المعارضين ،لذا نجد أن الأنظمة الظالمة تأخذ من أجهزة الدولة التي تنشؤها مثابة لتركيع الشعب لا لتقديم الخدمات إليه .
ومن ملامح هذه الظاهرة اعتبار العاملين أولاداً قاصرين عند الرئيس الإداري الذي يتحكم حتى في مشاعرهم وطريقة التفكير عندهم واتجاهاتهم العقائدية وما إلى ذلك من الأمور الشخصية التي تنعكس على تقويم الرئيس لأدائهم السنوي الذي لم يتعلق بالأمور الخاصة لا من قريب ولا من بعيد
 في حين نجد أن النظرة الصحيحة إلى الوظيفة العامة يجب أن تنبثق من فكرة أشرنا إليها،وهي أنّ الموظف العام يجب أن يهدف إل تقديم أفضل الخدمات إلى الجمهور للوصول إلى كسب وده ورضاه ،ولا يصح العكس .ثم إنّ صدور قانون يضمن توزيع عائدات الثروة الوطنية على أفراد الشعب من شأنه إسقاط فكرة أبوية الدولة نهائياً ؛بل على العكس فإنه يشيع الاستقرار في البلاد

الظاهرة الرابعة
ـ الاستئثار بالسلطة ـ
وهو مرضٌ سلوكي خطير يصيب الرؤساء ،ويزداد هذا المرض استفحالاً وتأثيراً على المجتمع كلما اقتربنا من رأس الهيكل التنظيمي . ونجد أنّ الرؤساء المصابين بهذا المرض المعدي ينظرون إلى مراكزهم الوظيفية على أنها ملك شخصي له ولعوائلهم وللمقربين منهم والمصاهرين لهم ،ولذا فهم يتفانون بالدفاع المستميت عن هذه المراكز وحتى لو أدى ذلك إلى قتل العشرات من خلال إلصاق مختلف أنواع التهم بحقهم ،ويكون على رأس هذه التهم تهمة الإضرار بالمصلحة العامة ،ذلك المصطلح الزئبقي الذي يجعلونه غطاءً يتغطون به لارتكاب الكثير من الأخطاء .
وقد يكون السبب العام لتفشي هذه الظاهرة التخلفية في الجهاز الإداري هو الفراغ التشريعي الذي سنتحدث عنه بعد قليل ،لكن الذي يساعد عليه انتشار التركيبة العشائرية ودعم رؤساء الأفخاذ والعشائر للرؤساء الإداريين الذين يجعلون منهم أدوات تستجيب لإملآتهم عوضاً عن استجابتهم للقانون . ولذا نجد أنّ الرئيس الإداري يتبع سياسة تخالف تماماً سياسة مَن سبقه مع ثبات نفس القوانين والتشريعات التي تحكم سير النشاط اليومي في المركز التنظيمي الذي يتسنمه ، مما يؤشر عدم الاكتراث بالأنظمة والقوانين وهذه الظواهر هي وليدة هذا المرض الاجتماعي الذي يؤدي إلى تعثر تنفيذ الخطط والسياسات التي ترسمها الجهات التشريعة تحقيقاً لحاجات ورغبات الجمهور .ومن نتائج هذه الظاهرة نجد أن خضوع العاملين إنما يكون لرؤسائهم لا للقوانين الصادرة فيكون المرؤوسون أدوات طيعة بأيدي الرؤساء ،وعليهم في الحالة بذل جهودهم لاستمالتهم وصولاً إلى تحقيق الرضا الوظيفي ،وهذا بدوره يكشف غياب المعايير الموضوعية لتقويم العاملين وحضور المعايير الشخصية التي تختلف من رئيس لآخر،وتلك ظاهرة نجدها واضحة عند معاينتا لاستمارات تقويم العاملين التي تعدها مختلف الإدارات سنوياً في أجواء يكتنفها الكتمان الشديد والإرهاب !
والملفت للنظر أن هذا المرض ليس مقصوراً وجوده على الوظائف العامة التي ترتبط بها مصالح فئات الشعب ؛بل يمتد ليشمل جميع الرؤساء للكيانات في المجتمع المدني أيضاً .

الظاهرة الخامسة

 ـ الفراغ التشريعي ـ
ونعني به ترك الجهات التشريعية مساحات فارغة في التشريعات التي تصدرها، وهذا يولّد ظاهرة غلبة الاجتهادات الشخصية للرؤساء الإداريين (السياقات الإدارية) على القوانين والتشريعات وهو ما يعكس قصور أو تقصير يعتري القائمين على ترجمة حاجات ومطالب الشعب بقوالب قانونية تصدر على هيأة قوانين وأنظمة وسياسات .وبعبارة أخرى إنّ هذا الفراغ التشريعي يعكس فشل المشرّع بالاستجابة للمتغيرات البيئية التي تستدعي استمرار عملية المعالجة التشريعية وسد الفراغات ،فما كان يصلح بالأمس ليس من الضرورة أن يكون صالحاً اليوم . إنّ إصرار الجهات التشريعية على صم آذانها عن سماع الجهات التنفيذية باعتبارها تقف عند خط التماس المباشر مع الجمهور المنتفع من الخدمات التي على أجهزة الدولة تقديمها لهم ومراجعة دورية للقوانين والتشريعات النافذة ؛ إنما يمثل استخفافاً بمطالب الناس الذين نراهم يتذمرون من هذه الحالة ،ولذا نجد أن كثيراً من القوانين والتشريعات الحالية أصدرتها الجهات التشريعية في عهود سابقة على الرغم من التطور الطبيعي الذي طرأ على الحاجات الإنسانية في المجالات كافة.ولعل أخطر مظاهر هذا الفراغ التشريعي هو غياب المعايير الموضوعية في اختيار شاغلي الوظائف العامة نتيجة لهيمنة المعايير الشخصية على أسس عشائرية وحزبية ومناطقية وعقائدية وغيرها ،وهو ما يُنذر باستحالة ولادة أجهزة دولة في مثل هذه  المجتمعات .

الظاهرة السادسة
ـ التفرد بصناعة القرارات ـ
يعطي الرؤساء الإداريين الحق لأنفسهم منع العاملين معهم من المشاركة في صناعة القرارات ، نتيجة شعورهم الخاطئ بامتلاكهم الجهاز الإداري الذي يعملون فيه ،وعدم ثقتهم بمرؤوسيهم وعدم الاعتداد بهم ،ولو حصل العكس وشارك البعض في صناعة قرار هام وله مردودات ملحوظة، فإنّ الرئيس الإداري يصادر كل الإبداعات التي يبادر بها العاملون فيجعلها لنفسه، وهو ضربٌ من ضروب النمط الثيوقراطي في القيادة . وقد ولّد هذا الشعور إحساساً أكيداً بالإحباط وخيبة الأمل عند العاملين وعند الجمهور في آن واحد ،فيصبح هم العاملين بذل جهودهم لإرضاء الرئيس الإداري بشتى السبل على حساب جودة السلع والخدمات المقدمة. وهذه ظاهرة نجدها في المجتمعات التي تدعي الأنظمة الحاكمة فيها باتباعها للنمط الديموقراطي .
إنّ مشاركة العاملين في عملية صناعة القرارات تؤدي إلى رفع الروح المعنوية وتشيع فيهم روح الحماس والإصرار على تقديم الأفضل دائماً واستثمار عالي للزمن ،وهو ما لاحظناه في اليابان أثناء تعرض البلاد إلى التوسنامي من تظافر جهود اليابانيين لمواجهة الأزمة بكل عزم وإصرار من غير خطابات إعلامية وأناشيد وطنية تطلقها الأجهزة الإعلامية فلا فرق في ذلك بين الرئيس والمرؤوس .
إنّ مشاهد النهب للممتلكات العامة التي نشاهدها في هذه الدول إبان الأزمات السياسية وغيرها ، إنْ هي إلاّ انعكاسٌ لتذمر المواطنين جراء عدم مشاركتهم بصناعة القرارات وبأرباح العملية الاقتصادية ،لأن هؤلاء يشعرون بالتأكيد أنّ المشرّعين لبناء الأجهزة الإدارية إنما يهدفون إلى تحقيق مصالح الرؤساء فقط دون حاجات الجماهير الممنوعين من المشاركة في القرارات والأرباح !
إن مشاركة العاملين في صناعة القرارات ومشاركتهم بأرباح العملية الإنتاجية يضمن وبدرجة كبيرة على حفظ الثروات الوطنية من التلف والضياع والنهب والسلب ،وتقليل نمو جماعات الضغط والإرهاب،ودون اللجوء إلى استخدام الأساليب البوليسية والمطاردات القانونية .
وإلى لقاء في مقالات أخر بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادارة المنازعات الادراية

ادارة المنازعات الادراية تعتبر المنازعات(سواء الفردية أو الجماعية)اليوم داخل المؤسسات العمومية اللتي تقع بين المنظمات العمالية وأرباب ال...